7.2
قوة ونشاط وعفاف في شباب رسول الله (صلَّى الله عليه
وسلم):
عندما انتهت حرب الفجار وأبرم حلف الفضول
كان محمد عليه الصلاة والسلام يستقبل المرحلة الثالثة من عمره. وهذه الفترة وما
قبلها هي عهد الشباب الحار، والغرائز الفائرة، والطماح البعيد. ومحمد عليه الصلاة
والسلام رجل قوي البدن عالي الهمة، رفيع المكانة. وقد لوحظت طاقته الواسعة حتى بعد
هذه السن بنحو أربعين سنة. قال أبو هريرة: "ما رأيت أحسن من رسول الله! كأن الشمس
تجري في وجهه! وما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله! لكأنما الأرض تطوى له!
كنا إذا مشينا معه نجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث".
ومثل هذا الرجل تقبل عليه الحياة لو لم يقبل
هو عليها. وعلى مَنْ تقبل الحياة بعده؟ على الواهمين والمنكمشين
والمتشائمين؟
لكن محمداً عليه الصلاة والسلام -على ما
يملك من وسائل المتاع- ما أثرت عنه قط شهوة عارضة أو نزوة خادشة، أو حكيت عنه
مغامرة لنيل جاه أو اصطياد ثروة. بل على العكس بدأت سيرته تومض في أنحاء مكة بما
امتاز به على أقرانه -إن صحت الإضافة- من خلالٍ عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح،
ومنطق صادق، ونهج أمين...
وليس شرف النفس أن تنتهي شهوة الإنسان إلى
الحياة، أو توجد الشهوة وتنتفي وسائل بلوغها. بل الشرف أن تكون قوة العفاف أربى من
نوازع الهوى، فإذا ظلت النفس في حالة سكون فلتعادل القوى السالبة والموجبة فيها،
وقد تجد رجلاً تافهاً هزيلاً لا يخفى له طمع ولا تنحبس له شهوة لو قِسْتَ غرائزه
المنفلتة بغرائز غيره المضبوطة ما بلغت عشر قوتها، لكن هذه وجدت زماماً من الرشد
فكظم عليها. وتلك لم تجد عقلاً يردع ولا خلقاً يعصم فثارت
وتمردت...
وقد كانت رجولة محمد عليه الصلاة والسلام في
القمة، بيد أن قواه الروحية وصفاءه النفسي جعلا هذه الرجولة تزداد بمحامد الأدب
والاستقامة والقنوع. ثم إنه كان معافى من العقد الكريهة التي تزين للشباب تعشق
العظمة عن طريق التظاهر والرياء، أو تطلُّب الرياسة عن طريق المداهنة واشتراء
العواطف، فإذا انضم لهذا كرهه الشديد للأصنام التي عكف عليها قومه، وازدراؤه
للأوهام والأهواء التي تسود الجزيرة وما وراءها. وإدراكه أن الحق شيء آخر وراء هذه
الخرافات الغالبة.. تبينا السر في استئناسه للجبال والفضاء، واستراحته إلى رعي
الغنم في هذه الأنحاء القصيَّة، مكتفياً بالقليل الذي يعود عليه من
كسبها.
أهذا زهد في المال، أو إعراض عن الحياة
الدنيا ؟ لا: إنما هو انشغال بالحقائق العليا التي تصلح بها ويسخَّر فيها المال.
والرجال الكبار لا تشبعهم كنوز الذهب والفضة إذا ظمئوا إلى الحق، ولا يريحهم أن
يكونوا ملوك قومهم أو ملوك الحياة إذا رأوا المساخر الشائنة تسير بالحياة كلها إلى
منحدر تسقط فيه أقدار الناس؛ وتعتري فيه الدنيا جمعاء من كل خير
وبر.
كذلك استقبل محمد عليه الصلاة والسلام
المرحلة الثالثة من عمره. وهي المرحلة التي تعرّف فيها إلى زوجه الأولى "خديجة بنت
خويلد".
8.2 خديجة المرأة الشريفة وقصتها مع رسول الله (صلَّى الله عليه
وسلم) التي انتهت بها إلى الزواج:
خديجة مثل طيب للمرأة التي تكمل حياة الرجل
العظيم. إن أصحاب الرسالات يحملون قلوباً شديدة الحساسية، ويلقون غبناً بالغاً من
الواقع الذي يريدون تغييره، ويقاسون جهاداً كبيراً في سبيل الخير الذين يريدون
فرضه. وهم أحوج ما يكونون إلى من يتعهد حياتهم الخاصة بالإيناس والترفيه، بله
الإدراك والمعونة! وكانت خديجة سباقة إلى هذه الخصال وكان لها في حياة محمد (صلَّى
الله عليه وسلم) أثر كريم.
قال ابن الأثير: "كانت -خديجة- امرأة تاجرة
ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه. فلما
بلغها عن رسول الله صدق الحديث، وعظم الأمانة، وكرم الأخلاق، أرسلت إليه ليخرج في
مالها إلى الشام تاجراً وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره، ومعه غلامها
ميسرة".
وقد قبل محمد عليه الصلاة والسلام هذا العرض
ورحل إلى الشام عاملاً في مال السيدة التي اختارته، ويظهر أن التوفيق حالفه في هذه
الرحلة، أكثر من سابقتها مع عمه أبي طالب، فكان ربحها أجزل، وسرَّت خديجة بهذا
الخير الذي أحرزته ولكن إعجابها بالرجل الذي اختبرته كان أعمق.
...إنها امرأة عريقة النسب، ممدودة الثروة، وقد عرفت بالحزم والعقل.
ومثلها مطمح لسادة قريش لولا أن السيدة كانت تحقر في كثير من الرجال أنهم طلاب مال
لا طلاب نفوس، وأن أبصارهم ترنو إليها بغية الإفادة من ثرائها وإن كان الزواج عنوان
هذا الطمع! لكنها عندما عرفت محمداً عليه الصلاة والسلام وجدت ضرباً آخر من الرجال.
وجدت رجلا لا تستهويه ولا تدنيه حاجة. ولعلها عندما حاسبت غيره في تجارتها وجدت
الشح والاحتيال. أما مع محمد (صلَّى الله عليه وسلم) فقد رأت رجلاً تقفه كرامته
الفارعة موقف النبل والتجاوز، فما تطلع إلى مالها ولا إلى جمالها! لقد أدى ما عليه
ثم انصرف راضياً مرضياً.
ووجدت خديجة ضالتها المنشودة. فتحدثت بما في
نفسها إلى صديقتها "نفيسة بنت منيَّة". وهذه ذهبت إلى محمد عليه الصلاة والسلام
تفاتحه أن يتزوج من خديجة، فلم يبطىء في إعلان قبوله. ثم كلم أعمامه في ذلك فذهب
أبو طالب وحمزة وغيرهما إلى عم خديجة عمرو بن أسد -إذ إن أباها مات في حرب الفجار-
وخطبوا إليه ابنة أخيه، وساقوا إليها الصداق عشرين بكرة. ووقف أبو طالب يخطب في حفل
الزواج قائلاً: "إن محمداً لا يوزن به فتى من قريش إلا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً
وعقلاً، وإن كان في المال قُلاًّ فإنما المال ظل زائل وعارية مسترجعة. وله في خديجة
بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك" فكان جواب ولي خديجة -عمها عمرو- "هو الفحل الذي
لا يقدع أنفه" وأنكحها منه...
وقيل: إن العبارة الأخيرة جرت على لسان "أبي
سفيان" عندما تزوج محمد رسول الله ابنته أم حبيبة. وكانت الحرب بينهما على أشدها.
فاعتذر أبو سفيان عن ذلك بأن محمداً الرجل من الكفاءة بحيث يعتبر الإصهار إليه
منقبة! والخصومة القائمة بينهما لا تنزل بقدر محمد عليه الصلاة والسلام أبداً،
ونكاحه لبنت أبي سفيان لا يشين أبا سفيان أبداً، وإن كان يومئذ ألدَّ عدو
له.
كان محمد عليه الصلاة والسلام في الخامسة
والعشرين عندما تزوج خديجة، وكانت هي قد ناهزت الأربعين. وظل هذا الزواج قائماً حتى
ماتت خديجة عن خمسة وستين عاماً. كانت طوالها محل الكرامة والإعزاز، وقد أنجب رسول
الله (صلَّى الله عليه وسلم) أولاده جميعاً منها ما عدا
إبراهيم.
ولدت له أولاً "القاسم" وبه كان يكنى بعد
النبوة ثم "زينب" و"رقية" و"أم كلثوم" و"فاطمة" و"عبدالله"، وكان "عبدالله" يلقب
بالطيب والطاهر. ومات "القاسم" بعد أن بلغ سناً تمكنه من ركوب الدابة والسير على
النجيبة. ومات عبدالله وهو طفل. ومات سائر بناته في حياته. إلا فاطمة فقد تأخرت
بعده ستة أشهر ثم لحقت به.
كان قران محمد عليه الصلاة والسلام بخديجة
خيراً له ولها. ولا شك أن هذا البيت الجديد قد اصطبغ بروح رب البيت، روح التطهر من
أدران الجاهلية، والترفع عن تقديس الأوثان.
وقد استأنف محمد عليه الصلاة والسلام ما
ألفه بعد زواجه من حياة التأمل والعزلة. وهجر ما كان عليه العرب في أحفالهم الصاخبة
من إدمان ولغو وقمار ونفار، وإن لم يقطعه ذلك عن إدارة تجارته، وتدبير معايشه،
والضرب في الأرض والمشي في الأسواق. إن حياة الرجل العاقل وسط جماعة طائشة تقتضي
ضروباً من الحذر والروِيَّة، وخصوصاً إذا كان الرجل على خلق عظيم يتقاضاه لين
الجانب وبسط الوجه.
ولم يكن ثمة ما يقلق في هذه الزيجة الموفقة
إلا ألم خديجة لهلاك الذكور من بنيها؛ مع ما للذكران من منزلة خاصة في أمة كانت تئد
البنات وتسودُّ وجوه آبائهن عندما يبشرون بهن!!
والغريب أن العرب بعد البعثة كانوا يعيِّرون
محمداً (صلَّى الله عليه وسلم) بهذا، ويعلنون ارتقابهم لانقطاع أثره وانتهاء ذكره.
فعن ابن عباس رضي الله عنه، أن قريشاً تواصت بينها في التمادي في الغي والكفر،
وقالت: الذي نحن عليه أحق مما عليه هذا الصنبور المنبتر -والصنبور النخلة التي اندق
أصلها- يعنون أن محمداً عليه الصلاة والسلام إذا مات لم يرثه عقب، ولم يحمل رسالته
أحد {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ. قُلْ
تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ}.
ومحمد (صلَّى الله عليه وسلم) ورسالته فوق
هذه الأماني الصغيرة. إلا أن الأسى كان يغزو قلب الوالد الجليل وهو يودع أبناءه
الثرى، فيجدد الثكل ما رسب في أعماقه من آلام اليتم. إن غصنه تشبث بالحياة فاستطاع
البقاء والنماء برغم فقدانه أبويه. وها هو ذا يرى أغصانه المنبسقة عنه تذوي مع
رغبته العميقة ورغبة شريكة حياته في أن يرياها مزهرة مثمرة، وكأن الله أراد أن يجعل
الرقة الحزينة جزءاً من كيانه! فإن الرجال الذين يسوسون الشعوب لا يجنحون إلى
الجبروت إلا إذا كانت نفوسهم قد طبعت على القسوة والأثرة وعاشت في أفراح لا يخامرها
كدر، أما الرجل الذي خبر الآلام فهو أسرع الناس إلى مواساة المحزونين ومداواة
المجروحين.
9.2 ترميم الكعبة واستشارة محمد (صلَّى الله عليه وسلم) في وضع
الحجر الأسود في مكانه:
ومن بقايا كلمة إبراهيم التي أجمع العرب في
جاهليتهم على احترامها "الكعبة" وهي أشبه بغرفة كبيرة مشيدة من أحجار قوية، يعتمد
سقفها من الداخل على أعمدة من الخشب الثمين. وأول من قام في بنائها أبو الأنبياء
إبراهيم وابنه إسماعيل، والغرض من بنائها أن تكون معبداً لله، ومسجداً يذكر فيه
اسمه وحده فإن إبراهيم لقي العناء الأليم في حرب الأصنام وهدم المعابد التي تنصب
فيها، ثم ألهمه الله أن يبني هذا البيت ليكون أساساً للتوحيد وركناً، ومثابة للناس
وأمناً، ومن البديهي أنه لا يسع القصاد جميعاً فألحق ما حوله به وصار حرماً
مقدساً.
ومعنى ذلك أن الكعبة نفسها حجارة لا تضر ولا
تنفع، وأن الحرمة التي اكتسبتها هي من الذكريات والمعاني التي حفت بها. ولذلك أكد
رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أن تأمين الأعراض والأموال والدماء أقدس عند الله
من هذه الكعبة، وأعظم حرمة وأكبر حقاً.
ومن الوثنية التي يعاديها الإسلام -إلى آخر
الدهر- الظن بأن الكعبة أو شيئاً منها له أثر من نفع أو ضرر.
وأنت خبير بأن الرؤساء والقادة والجنود
عندما يحيون أعلام بلادهم ويتفانون دونها، فليس هذا عبادة لقطع معينة من القماش.
إنما هو تقديس لمعان معينة ارتبطت بها. ومن الأمور التي يسهل فهمها أن يكون لأول
مسجد في الأرض مكانة تاريخية خاصة، وأن يكون قبلة لما يستجد بعده من
مساجد.
أما الوجهة في كل صلاة والمقصود في كل خشوع
فهو الله وحده.
عن أبي ذر: سألت رسول الله (صلَّى الله عليه
وسلم) عن أول مسجد وضع في الأرض. قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال المسجد
الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عاماً. ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركتك الصلاة
فصل فإن الفضل فيه".
وقد تعرضت الكعبة -باعتبارها أثراً قديماً-
للعوادي التي أوهت بنيانها وصدَّعت جدرانها، وقبل البعثة بسنوات قلائل جرف مكة سيل
عرم، انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه على الانهيار، فلم تر قريش بداً من
أن تجدد بناء الكعبة حرصاً على مكانتها.
وقد اشترك سادة قريش ورجالاتها الكبار في
أعمال التجديد ونقل الأحجار بعدما هدموا الأنقاض الواهية وشرعوا يعيدونها كما
كانت.
وبناءٌ رفع إبراهيم وإسماعيل من قواعده قبل
قرون سحيقة لا يوكل أمره لصغار الفعلة، فلا غرو إذا أقبل عليه الشيوخ وأهل النهى
والصدارة، ومن بينهم محمد (صلَّى الله عليه وسلم) وأعمامه.
عن عمرو بن دينار سمعت جابر بن عبدالله
يقول: لما بنيت الكعبة ذهب رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) والعباس ينقلان
الحجارة فقال العباس للنبي: اجعل إزارك على رقبتك يقيك الحجارة. ففعل -كان ذلك قبل
أن يبعث- فخر إلى الأرض، فطمحت عيناه إلى السماء. فقال: إزاري إزاري، فشد عليه فما
رؤي بعد عرياناً....
وتنافست القبائل في هذا المضمار، كل يبغي
الصدارة فيه والذهاب بفخره، حتى كاد هذا السباق يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم .
واستفحل الشر بين المشتغلين بالبناء عندما بدأوا يستعدون لوضع الحجر الأسود في
مكانه من أركان الكعبة؛ لولا أنّ أبا أمية بن المغيرة المخزومي اقترح على
المتطاحنين أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل من باب الصفا، وشاء الله أن يكون ذلك
محمداً.. فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين، ارتضيناه حَكَماً.
وطلب محمد (صلَّى الله عليه وسلم) ثوباً،
فوضع الحجر وسطه، ثم نادى رؤساء القبائل المتنازعين، فأمسكوا جميعاً بأطراف الثوب
حتى أوصلوا الحجر إلى الكعبة، فحمله محمد صلوات الله وسلامه عليه ثم وضعه في مكانه
العتيد.
وهذا حل حصيف رضي به القوم، ومن قبل كانت
رؤيتهم لمحمد (صلَّى الله عليه وسلم) مثار تيمنهم واطمئنانهم. وهذا يدل على سناء
المنزلة التي بلغها فيهم.
ومع جهد قريش في بناء الكعبة فقد عجزت عن
إبلاغها قواعد إبراهيم. ولكن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) بعد أن استقر له
الأمر في الجزيرة لم يجد ضرورة لتجديد زيادة بها، وآثر تركها على ما انتهت إليه. عن
عائشة قالت: قال لي النبي (صلَّى الله عليه وسلم): "ألم ترَيْ أن قومك حين بنوا
الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ قلت يا رسول الله، ألا تردها إلى قواعد إبراهيم؟
قال: لولا حِدْثان قومك بالكفر لفعلت! قال ابن عمر، لئن كانت عائشة سمعت هذا من
رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم). ما أرى أن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) ترك
استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم. قال
العلماء: والمراد بقول الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) الآنف، قرب العهد بالجاهلية،
وضعف استمكان الإيمان، مما يجعل العرب ينفرون من هدم الكعبة وتغيير
هيئتها...
ولو كانت إعادة الكعبة كما بناها إبراهيم
فريضة ما تركها رسول الله. ولكن الأمر أخف من أن تثار لأجله مشكلات
عويصة.
10.2 رجال باحثون عن الحق في عهد الوثنية
الباطلة:
قلنا: إن الوثنية تزين باطلها بطلاء من الحق
ليسهل على النفوس ازدراد ما فيها من مرارة، فهي تزعم الإيمان بإله خلق السموات
والأرض، وفي الوقت نفسه تشرك معه آلهة أخرى هي مزدلف إليه ووسيلة، ولما كان خالق
السموات والأرض بعيداً عن مرآى الأعين، فقد أنس العُبَّاد المشركون بالآلهة القريبة
من أيديهم والتي يترددون عليها صباحاً ومساء، حتى صارت صلتهم بها أحكم من الصلة
بالإله الأصيل وأصبح ذكر هذا الإله -المتوسل إليه بغيره- لا يرد إلا في معرض الجدال
والاعتذار:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ. وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ.
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
غير أن التعصب لهذا السخف جاوز الحدود فأما
العامة فهم بُهْم، أحلاس ما توارثوا، فقدوا نعمة العقل الحر، بل العقل المدرك
وعاشوا يهرفون بما لا يعرفون.
وأما الذين أوتوا حظاً من التفكير، فإن
تفكيرهم يرتطم بحدود شهواتهم، وربما كتموا ما عرفوا، بل ربما حاربوا ما عرفوا،
وقليل من الناس من يتجرأ على التقاليد المستحكمة، ويجهر بالحق. وأقل من ذلك من يعيش
له ويضحِّي في سبيله.
وقد وجد قبل البعثة من نظر إلى وثنية العرب
نظرة استهزاء، ومن عرف أن قومه يلتقون على أباطيل مفتراة، ولكنه لم يجد الطريق أو
الطاقة على كفهم.
أخرج البخاري أن ابن عمر حدث عن رسول الله
(صلَّى الله عليه وسلم) أنه لَقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل "بلدح" -وذلك قبل أن
ينزل الوحي على النبي (صلَّى الله عليه وسلم) فقدم إليه رسول الله (صلَّى الله عليه
وسلم) سفرَةً فيها لحم. فأبى أن يأكل منها. ثم قال زيد: إني لا آكل مما تذبحون على
أنصابكم ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه. وكان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول:
الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء ماء، وأنبت لها من الأرض الكلأ. وأنتم
تذبحونها على غير اسم الله -إنكاراً لذلك.
وفي رواية أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى
الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالماً من اليهود، فسأله عن دينهم، وقال: لعلي أن
أدين دينكم! فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله!! قال زيد: ما
أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً وأنا أستطيعه!! فهل تدلني
على غيره؟ فقال ما أعلمه إلا أن تكون حنيفاً. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين
إبراهيم. لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا يعبد إلا الله. فخرج زيد فلقي عالماً من
النصارى، فذكر له مثل ذلك، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله!
قال: ما أفر إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله شيئاً أبداً وأنا
أستطيع!!..
فهل تدلني على غيره؟ فقال لا أعلمه إلا أن
تكون حنيفاً. قال: وما الحنيف؟ فقال: دين إبراهيم عليه السلام، لم يكن يهودياً ولا
نصرانياً ولا يعبد إلا الله. فلما رأى زيد قوله في إبراهيم عليه السلام خرج. فلما
برز رفع يديه. وقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم عليه
السلام..
وهذا الحديث يبين مقدار الحيرة التي سادت
الدنيا وغطت بضبابها الكثيف على الأديان الظاهرة. اليهود يشعرون بأنهم مطاردون في
الأرض منبوذون من أقطارها، فعلى الداخل في دينهم أن يحمل وزراً من المقت المكتوب
عليهم.
والنصارى وقع بينهم شقاق رهيب في طبيعة
المسيح ووضعه، ووضع أمه، من الإله الكبير، وقد أثار هذا الخلاف بينهم الحروب
المهلكة، وقسمهم فرقاً يلعن بعضهم بعضاً.
وكان نصارى الشام الذين سألهم زيد "يعاقبة"
يخالفون المذهب الرسمي لكنيسة الرومان، فلا غرابة إذا أشعروا زيداً بما يقع عليه من
عذاب لو دخل في دينهم. أو لعل هذه اللعنة المرهوبة هي تبعات الخطيئة التي اقترفها
آدم واستحقها من بعده بنوه كما يدّعي ذلك النصارى وهم يبررون صلب المسيح، ومن حق
زيد أن يدع هؤلاء وأولئك، ويرجع إلى دين إبراهيم عليه السلام يبحث عن أصوله
وفروعه.
وأخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت:
رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائماً مسنداً ظهره إلى الكعبة يقول. يا معشر قريش ،
والله ما منكم على دين إبراهيم عليه السلام غيري، وكان يحيي المؤودة، يقول للرجل
-إذا أراد أن يقتل ابنته-: أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن
شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها.
إن زيداً واحد من المفكرين القلائل الذين
سخطوا ما عليه الجاهلية من نكر، وإنه ليشكر على تحريه الحق، ولا يغمط هو ولا غيره
أقدارهم بين قومهم، لكن القدر كان يتخير رجلاً يبصر الحق، ويملك من الطاقة ما يدفعه
به إلى آفاق العالمين في وجه مقاومة تسترخص النفس والنفيس للإبقاء على الضلال
والإمساك بليله البارد الثقيل.
كان القدر يعد لهذه الرسالة الضخمة رجلها
الضخم والعظائم كفؤها العظماء!
11.2 اعتزال محمد (صلَّى الله عليه وسلم) في غار
حراء:
أخذت سن محمد (صلَّى الله عليه وسلم) تصعد
نحو الأربعين. وكانت تأملاته الماضية قد وسّعت الشقة العقلية بينه وبين قومه، فأمست
نظرته إليهم نظرة عالم الفلك -في عصرنا- إلى جماعة يؤمنون بأن الأرض محمولة على قرن
ثور، أو نظرة عالم الذرة إلى جماعة يتراشقون بالحجارة إذا تحاربوا، ويتنقلون
بالمطايا إذا سافروا...
ذلك من الناحية الفكرية. أما من الناحية
النفسية فإن الإلحاد الذي شاع في الجاهلية، وجعل أهلها يقسمون بالله جَهْد أيمانهم
لا يبعث الله من يموت. هذا الإلحاد المغرق الطامس غزا نفوس الأخيار بالقلق البالغ.
إلى أين تصير هذه القلة الحائرة؟ لئن كان الوجود -أولا وآخراً- هذه الأعمار
المستنفدة على ظهر الأرض..إن الفناء خير وأجدى!!
أما من بصيص نور خلال هذا الظلام
المخيّم؟
وكان محمد (صلَّى الله عليه وسلم) يهجر مكة
كل عام ليقضي شهر رمضان في غار حراء، وهو غار على مسافة بضعة أميال من القرية
الصاخبة، في رأس جبل من هذه الجبال المشرفة على مكة والتي ينقطع عندها لغو الناس
وحديثهم الباطل، ويبدأ السكون الشامل المستغرق.. في هذه القمة السامقة المنزوية كان
محمد (صلَّى الله عليه وسلم) يأخذ زاد الليالي الطوال ثم ينقطع عن العالمين متجهاً
بفؤاده المشوق إلى رب العالمين!
...في هذا الغار المهيب المحجَّب، كانت نفس كبيرة تطل من عليائها
على ما تموج به الدنيا من فتن ومغارم واعتداء وانكسار ثم تتلوَّى حسرة وحيرة لأنها
لا تدري من ذلك مخرجاً، ولا تعرف له علاجاً!!
في هذا الغار النائي كانت عين نفاذة محصية
تستعرض تراث الهداة الأولين من رسل الله، فتجده كالمنجم المعتم لا يستخلص منه
المعدن النفيس إلا بعد جهد جهيد، وقد يختلط التراب بالتبر فما يستطيع بشر فصله
عنه.
في غار حراء كان محمد عليه الصلاة والسلام
يتعبد، ويصقل قلبه، وينقي روحه، ويقترب من الحق جهده، ويبتعد عن الباطل وسعه. حتى
وصل من الصفاء إلى مرتبة عالية انعكست فيها أشعة الغيوب على صفحته المجلوة، فأمسى
لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح.
في هذا الغار اتصل محمد (صلَّى الله عليه
وسلم) بالملأ الأعلى.
ومن قبله شهد بطن الصحراء أخاً لمحمد عليه
الصلاة والسلام يخرج من مصر فارّاً مستوحشاً، ويجتاز القفار متلمساً الأمن والسكينة
والهدى، لنفسه و قومه، فبرقت له من شاطىء الوادي الأيمن نار مؤنسة، فلما تيممها إذا
بالنداء الأقدس يغمر مسامعه ويتخلل مشاعره.
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي
وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}.
إن شعلة من هذه النار اجتازت القرون لتتقد
مرة أخرى في جوانب الغار الذي حوى رجلاً يتحنث ويتطهر -نائياً بجسمه وروحه- عن
أرجاس الجاهلية ومساوئها، لكن الشعلة لم تكن ناراً تستدرج الناظر بل كانت نوراً
ينبسط بين يدي وحي مبارك يسطع على القلب العاني بالإلهام والهداية، والتثبيت
والعناية، وإذا بمحمد (صلَّى الله عليه وسلم) يصغي في دهشة وانبهار إلى صوت الملك
يقول له:
{اقْرَأْ..} فيجيب مستفسراً: (ما أنا بقارئ)، ويتكرر الطلب والرد
لتنساب بعده الآيات الأولى من القرآن العزيز:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ
عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ
الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
12.2 ورقة بن نوفل وتبشيره بنبوة محمد (صلَّى الله عليه
وسلم):
إن محمداً (صلَّى الله عليه وسلم) بشر
مثلنا، لكن الوجود لا يعرف تفاوتاً بين أفراد جنس واحد كما يعرف ذلك في جنس
الإنسان. إن بعضهم أرقى من الأفلاك الزاهرة! وبعضهم الآخر لا يساوي بعرة...وإن كان
الكلُّ بشراً!!
وذاك التفاوت واقع بين من لم يؤيدوا بوحي.
فكيف إذا اصطفيَ إنسان ما. وزيدت أطوار كماله المعتاد طوراً آخر، تومض فيه أشعة
التسديد والتوفيق والإرشاد والإمداد؟؟
إنّ الوحي روحٌ يفدُ على المختارين بحياة
جديدة، وهمة جديدة، ورسالة جديدة.
{يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا
فَاتَّقُونِي}.
إن الجنين بعد نفخ الروح فيه ينشئه الله
خلقاً آخر، يغاير الأطوار الستة الأولى التي مرَّ بها، سلالة الطين، فالنطفة،
فالعلقة، فالمضغة، فالعظام، فالجسم المكسوّ باللحم..!!
والأنبياء بعد اتصال الوحي بهم وسريان روحه
الجديدة في أرواحهم يتحولون بشراً آخرين، لا يدانيهم غيرهم أبداً في مجادة
وإشراق.
وهذا التغيير الملحوظ سر تذكير الله لمحمد
عليه الصلاة والسلام بالقدرة التي خلقت الإنسان من علق، إن القدرة التي خلقت هذا
الإنسان العجيب من علقة طفيلية، هي التي ستنساق بنعمة الله إلى جعل محمد بشراً
رسولاً، يقرأ بعدما كان أميَّاً.
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ
تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي
بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ}.
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما
بدىء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت
مثل فَلَق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه -وهو
التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله يتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة
فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال: {اقْرَأْ}، قال
ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: {اقْرَأْ}، قلت: ما
أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: {اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ...}
الخ.
فرجع بها رسول الله ترجف بوادره! حتى دخل
على خديجة بنت خويلد، فقال: "زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع ثم قال
لخديجة: أيْ خديجة، مالي؟ وأخبرها الخبر، ثم قال: لقد خشيتُ على
نفسي...
قالت له خديجة: كلا، أبشر فوالله لا يخزيك
الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري
الضيف، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل
-وهو ابن عم خديجة- وكان امرءاً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني،
فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت
له خديجة: أي ابن عم: اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ما ترى؟ فأخبره
رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل
الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك، فقال رسول
الله (صلَّى الله عليه وسلم): أَوَ مخرجيَّ هم؟ قال: نعم! لم يأت رجل قط بمثل ما
جئت به إلا عوديَ. وإن يدركني يومك حيّاً أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم يلبث ورقة أن
توفي وفتر الوحي.
لكأن الأربعين عاماً السابقة يوم واحد، وبدأ
الوحي صبيحة يوم جديد!! إن العقل الجوَّاب الباحث المستفسر أخذ يشيم أنوار
الحق.
والصدر المحرج المثقل بالتشاؤم والارتباك
أخذ يحسُّ برد اليقين وفسحة الأمل، والنقلة الطارئة بعيدة المدى...إنها
النبوة.
ألا ما أجل هذا الفضل المقبل، وما أعظم ما
يواجه محمداً فيه من شئون وشجون..!!
لذلك سرعان ما تراجعت إليه نفسه، وكان موقف
زوجه خديجة منه من أشرف المواقف التي تحمد لامرأة في الأولين والآخرين، طمأنته حين
قلق، وأراحته حين جهد، وذكرته بما فيه من فضائل مؤكدة له: إن الأبرار أمثاله لا
يخذلون أبداً، وأن الله إذ طبع رجلاً على المكارم الجزلة والمناقب السمحة فلكيما
يجعله أهل إعزازه وإحسانه، وبهذا الرأي الراجح والقلب الصالح استحقت خديجة أن
يحيِّيها رب العالمين، فيرسل إليها بالسلام مع الروح
الأمين...
الإثنين أغسطس 01, 2011 4:53 am من طرف foufou90
» قـوآرب فـي بحــر الـحــيـــــآة
الإثنين أغسطس 01, 2011 4:02 am من طرف foufou90
» برنامج تحويل الفلاش الي رام روعه
الخميس يونيو 16, 2011 7:56 pm من طرف Admin
» برنامج فك باسورد اي ملف مضغوط روعه
الخميس يونيو 16, 2011 7:54 pm من طرف Admin
» هل تعلم أسرار عالم النوم
الخميس يونيو 16, 2011 2:07 pm من طرف Admin
» أروع مــا قيــل فـى الغــزل
الخميس يونيو 16, 2011 1:58 pm من طرف Admin
» عشرون نصيحة للطلاب في الاختبارات
الخميس يونيو 16, 2011 3:00 am من طرف foufou90
» موضوع عن الرياء كلمة عن الرياء
الخميس يونيو 16, 2011 2:55 am من طرف foufou90
» حقائق ستنصدم بأنها مُجرّد خرافات
الخميس يونيو 16, 2011 2:45 am من طرف foufou90