[b]P
[b]تفجيرات لندن
والبعد الغائب[1][/b]
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فهو المهتد, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على
محمدٍ النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك
حميد مجيد.
أما
بعد:
فإن
أصدق الحديث كتاب الله, وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
ثم أما
بعد:
فإنه من نافلة
القول أن نذكِّرَ بأن من محاسن الدين الإسلامي والشرع الإسلامي الشريف إرساءه
لأخلاق الحرب، ذلك المبدأ السامي الذي يضبط سلوك المسلم حتى وهو يتعامل مع
أعدائه.
يقول الله
سبحانه وتعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ
اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ( سورة المائدة.
والحديث عن
أخلاق الحرب في الإسلام حديث طويل جداً، وهو حافل بالنماذج التي تدل على انضباط
المسلمين حتى وهم في أَوْج قوتهم، انضباطهم مع أعدائهم ومحاربيهم بما تضبطهم به
الشريعة الإسلامية الحنيفية.
ومن أخلاق
الحرب كما بين ذلك النبي صلى
الله عليه وسلم: (ولا تقتلُن ذريةً
ولا عسيفاً)، وفي بعض الأحاديث أنه صلى
الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء
والصبيان، وكثير من النصوص التي تضبط سلوك المسلمين في مسألة الحرب، وكيف أنهم لا
يقربون مثلاً من اعتزل في صومعة وتعبد ونحو ذلك من الأمور التي لتفصيلها مجال
آخر.
على الجانب
الآخر.. طبعاً الأحداث التي تحصل هذه: موضوع قتل السفير المصري أو الدبلوماسي
المصري في العراق، أمامنا حديث النبي صلى
الله عليه وسلم حينما بعث إليه مسيلمة الكذاب بعض الرسل يحملون رسالة من مسيلمة الكذاب إلى النبي صلى
الله عليه وسلم، فلما اطلع النبي
صلى
الله عليه وسلم على فحواها قال في
شأنهم: (لولا أن الرسل لا تُقتَل لأمرت بقتلهم)، هذا مبدأ من مبادئ الدبلوماسية
العالمية تقريباً في كل العصور أن الشخص الدبلوماسي يمثل أمة بكاملها لا يمثل
نفسه.
هذا مندوب
مسيلمة، ومسيلمة لا له شرعية
في حكمه ولا له أي استحقاق للاحترام والتقدير، ولكن هذه مبادئ لأن المسألة ليست
أنني قدرت على عدوي فأنا أظفر به، لكن المسألة أنني أراعي عواقب ما أفعله، حينما
تستعدي أمة بكاملها بالاعتداء على من يمثلها هذا له أبعاد أخرى كثيرة لا تخفى على
أحد.
مسألة أن
واحداً أو مجموعة من المسلمين يدخلون مثلاً بعض بلاد الكفار -خاصةً بريطانيا أو
أمريكا أو غيرها من البلاد التي تحارب المسلمين وتنكِّل بالمسلمين في بلادهم كما لا
يخفى على أحد- هناك مبادئ تحكم مثل هذه الأشياء: أن دخولك هذه البلاد بالطريق
الرسمي، وإعطاءك تأشيرة دخول هذا ما يسميه الفقهاء عقد أمان، وهم ما منحوك هذه
التأشيرة وهذا العقد والمعاقدة أو المعاهدة بينك وبينهم إلا لما يترتب عليها من
آثار، أولها تأمينك أنت في بلادهم أنه لا يتعرض لك أحد، ثانياً أنك أيضاً لا تغدر
بهم ولا ترتكب أموراً فيها تعرض لأموالهم أو ذراريهم أو
نسائهم أو أعراضهم أو نحو ذلك، فهذا مقتضى عقد الأمان، فهو داخل في احترام العهود
التي نص الله سبحانه وتعالى على احترامها بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) (1) سورة المائدة، هذا عقد من العقود، وهذا أمر متبادل أي
أنه لو كل بلد تقوم بما تقدر عليه.. لو كل بلد تمكنت من
أشخاص أو عدد معين من الناس ولأنها قادرة على شيء فإنها تفعله فإذاً الأمر سيتم
بالتبادل، بمعنى أننا أيضاً بداخل بلادنا نتعرض لأشد بكثير جداً مما يمكن أن نفعله
بهم.
فالمسألة
أن هذه لغة دبلوماسية، والشرع يحترمها، وجاء في صفة النبي صلى
الله عليه وسلم كما في حديث أبي
سفيان لما سأله هرقل: (وسألتُك هل يغدر، فذكرتَ أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر) ومعروف
ما أتى من النصوص في حق من غدر يوم القيامة وكيف أنه يُرفع له لواءٌ بقدر غدرته.
فإذاً كما
حرم الله سبحانه وتعالى قتل المسلم المعصوم الدم كذلك حرم قتل المعاهَد، فأيضاً من
دخل بلاد المسلمين بعقد أمان -الذي نسميه الآن التأشيرة- حتى لو كان هو من بلد
حربية أي حتى لو كان من بلاد هناك حرب بين المسلمين وبينهم فإنه يجب احترام عقد
الأمان هذا وعدم التعرض له.
ولذلك نجد في
اللغة الدبلوماسية أيضاً أن أقصى عقوبة لما يُطعن في دبلوماسي أنه يُطردَ خارج
البلاد.. هم يقدرون أن يمسكوا به ويشنقوه لكن هذا موضوع له أبعاده، وهذه من القواعد
المسلَّم بها، والإسلام لا يرفض كل القواعد الدولية ومثال ذلك اشتراك النبي صلى
الله عليه وسلم في حلف الفضول ونحو ذلك، فليس شرطاً أن أي أمور تحكم العالم أو
قوانين وأعراف دولية أنها تكون دائماً باطلة، فالحصانة التي تحصل للمسلم إذا دخل
بلادهم بأمان هي أيضاً ينبغي أن تحصل هنا إذا دخل بأمان حتى لو كان
محارباً.
فالمسألة
ليست أن أنا ما دمت قادر على شيء أفعله، بغض النظر عن احترام الشرع وآدابه وأحكامه،
وأيضاً بغض النظر عن العواقب التي تحصل نتيجة هذا الفعل، أن أفجِّر تفجيراً معيناً
ويعمل ضوضاء وصوت، وأنا الذي فعلت هذا وأفرح بهذا.. هذا تصرف غير ناضج وغير منضبط بالشرع الشريف.
في مناقشة
أمثال هذه القضايا الناس يكون عندها حساسية شديدة، لأن علماء (الكيبورد) أصبحوا الآن بالمرصاد لأي واحد يخالف أهواءهم،
والفتاوى تصدر من أناس مجهولين، لا معروف هم أطفال أم صبية أم كبار أم صغار أم
علماء أم جُهّال، وكل من أراد أن يتكلم يتكلم من خلال (الكيبورد) أو لوحة
المفاتيح، فالآن الأمور يحدث فيها خلط في الأوراق فلذلك لابد أن نتنبه لموضوع الخلط
بين الأوراق.
لا يعني
أننا حينما ننكر على من يفعلون مثل هذه الأشياء أننا نقف في خندق واحد مع اليهود
والنصارى ضد المسلمين، لا بل نحن نقول: نحن نقف معكم في نفس الخندق، وعواقب هذه
الأشياء تعود عليكم، وتعود على من لا يأخذون بتوجّهَاتكم وآرائكم واجتهادكم التي
نرى أن فيها عدواناً على القواعد الشرعية التي أرساها
الفقهاء.
فمن مظاهر
الخلط في الأوراق أنك تجد الرد مباشرة: (ألا ترون ما يفعلونه بالمسلمين) بلا شك أن
هذه بديهية، ونحن لا نناقش البديهيات، نحن نناقش الانضباط بالشرع الشريف، أما جرائم
أمريكا وبريطانيا -الإمبراطورية العجوز- وعداء كل الغرب للإسلام وحقده عليه
وعدوانهم فهذا لا ينكره أحد، فنحن لا نناقش قضايا حتى الكفار يقرون بها.. هل تعرفون
جَلَوي؟
جورج جلوي
هذا رجل بريطاني طُرد من حزب العمال من فترة قريبة بسبب أنه كان يعارض الحرب على
العراق معارضة شديدة، وانتقد الحكومة هناك انتقاداً عنيفاً أدّى إلى طرده من حزب
العمال.
جَلَوي يتكلم معلّقاً على تفجيرات لندن
فيقول:
(إن
التفجيرات لم تنبع من العدم، بل جاءت على خلفية الغزو في أفغانستان والعراق، وصور
الانتهاكات في أبي غريب وجوانتنامو، إن الغرب يخاطر
بتكرار نفس الأخطاء المرة تلو الأخرى، والاعتماد على الحرب والاحتلال كأداة أساسية
لسياسته الخارجية، وإِنْ نحن استمررنا في هذه السياسة فسيصل إلينا بعض الأشخاص
ويؤذوننا كما آذونا اليوم)، ثم ربط بين ما حدث في بريطانيا وبين موت فتيان الفلوجة على يد قوات
التحالف.
فالغرب مع
إجرامه وحقده وعدائه للإسلام.. والمسألة ليست يوم أو
يومين.. بريطانيا -الإمبراطورية العجوز- كم أذاقتنا من
الويل ولا زالت.
فنحن لا نناقش قضية إجرام الغرب، نحن
نناقش انضباطنا نحن بشريعتنا، فنحن لا نقف في خندق واحد مع أعدائنا، وإنما نحن نفكر
في مصلحة الأمة بسائرها، وبعض المصالح التي لا يضعها بعض
الناس في اعتبارهم.
فمسألة: (ألا
ترون ماذا يفعلون في المسلمين؟ ألا ترون ما يفعلون في
فلسطين؟)
صحيح هذا شيء
ملاحظ، وهذا من إجرامهم أجمعين: اليهود أو النصارى وسائر الكفار، فكم يحصل التباكي
في مثل هذه الظروف على مستوى العالم كله على مثل هذا العدد:
عشرات
قتلوا في مثل هذه الحوادث أو مئات جُرحوا، لكن أين البكاء على مآسي الفلسطينيين ليل
نهار والبيوت التي تُهدّم والأبرياء الذين يقتلون ليل نهار.
ولما نقول
أبرياء لا نقصد المدنيين فحسب.. فكل فلسطيني يدافع عن
بلاد الإسلام فهو بريء، لأنه ليس بمجرم ولا يقاتِل في حرب ظالمة إنما في قضية
عادلة، ولا نقاش على الإطلاق في مشروعية مقاومة الاحتلال بكل ما أمكن، لكن بالضوابط
الشرعية كما أشرنا.
فمسألة أن الغاية تسوّغ الوسيلة.. لابد الغاية
تكون شرعية، وأيضاً الوسيلة التي توصل إليها لابد أن تكون
وسيلة شرعية.
وقد روي أن
عمر رضي الله عنه حينما انتهك الفرس بعض قواعد الحرب، وارتكبوا بعض الجرائم في
الحرب، أراد بعض المسلمين أن يردّوا عليهم بالمثل، فكان رد أمير المؤمنين رضي الله
عنه أن قال: (ومتى كان لنا في الفرس أسوة؟).
فموضوع أن الغاية تسوّغ الوسيلة، وأني ما دمت
قصدي شريف أرتكب أي وسيلة بغضِّ النظر عن عواقبها، وبغضِّ النظر عن موافقتها للشرع
الشريف فهذا مما لا ينبغي.
أيضاً بعض
الناس تقول: (هذا ما قدرنا عليه، نحن لا نقدر على مواجهة الجيوش نفسها في بلاد
المسلمين -الاحتلال ونحو ذلك- بصورة مؤثرة لكن هذا الذي قدرنا عليه)، والجواب: أنه
ليس كل ما يقدر عليه الإنسان يصير حلالاً، فهل الحرام هو الذي عجزت عنه؟ والحلال ما
قدرت عليه؟، هذا منطق لا يقره الشرع ولا يقره العقل، فمن
عجز عن الصواب ليس له أن يرتكب الخطأ ويقول: (نتيجة عجزي عن الصواب هذا الذي قدرتُ
عليه) لكن هل هو منضبط بالشرع في هذا؟ هذه هي القضية.
أيضاً قول
بعضهم: (كما تَهدرون أمننا نهدر أمنكم)، ليس في التعرض لأناس مدنيين، ومن أُناس
دخلوا بلادهم بعهد، فالضابط في مثل هذه الأشياء هو الشرع الشريف، هو الذي يضبط مثل
هذه الأشياء، وليس مجرد الاستحسان العقلي.
ثم لو نظرنا
للموضوع من زاوية أخرى: أين قاعدة المفاسد والمصالح؟ ثم
أنتم تقولون: (كما تهدرون أمننا نهدر أمنكم) ألا يوضع في الاعتبار حجم العواقب التي
تهدر أمن المسلمين أضعاف المرات؟، فهل هذه الأفعال تمرُّ
بدون أن يُهدر أمن المسلمين؟، فأنت تريد المعاملة بالمثل
في مثل هذا، وأنت تعرف مدى العواقب التي يمكن أن تحدث، وفيها أشد الأذى لأمن
المسلمين.
وما زلنا حتى
الآن نحصد عواقب حادثة سبتمبر في أمريكا، والعجيب أنه ما زال هناك بعض الشباب أو
بعض هؤلاء الناس يسمونها غزوة سبتمبر، ما زالوا حتى الآن يرون أنها غزوة
سبتمبر.
وطبعاً كل هذا
الكلام مبني على صحة أن المسلمين هم المسئولون عن هذه الأشياء، لكن كلامي مبني على
افتراض هذه الصحة، افتراض أنه فعلاً أناس من المسلمين الذين فعلوا هذه
الأشياء.
أنا حادثة
سبتمبر أعتبرها حادثة الفيل في مثل هذا العصر، والجمع بينهم هو أن هذه الحادثة كانت
حادثة محورية في تاريخ البشرية، ما قبلها اختلف تماماً عما بعدها، وكما نرى الآن
العواقب الوخيمة التي ترتبت على هذا التصرف، وما زال من هؤلاء من يرى أنه نصر عظيم
وإنجاز كبير، بغضِّ النظر عن العواقب.
أما
العواقب فيسألوا عنها كل الدعاة المشهورين الذين جابوا أمريكا شرقاً وغرباً وشمالاً
وجنوباً، وتأثير مثل هذه الحادثة على الجالية الإسلامية في مثل هذه البلاد، وهذا
ملغي تماماً من اعتبار هؤلاء الناس، فالحرج والعنت الذي يعانيه المسلمون في الجالية
الإسلامية لهذه البلاد الآن ليس بالشيء التافه، هم ملايين سواء في أمريكا أو في
أوروبا، والجالية الإسلامية أوضاعها في تكاثر عجيب جداً، وقبل سبتمبر كانت الأوضاع
في انفراج شديد جداً، وكان معدل دخول الناس في الإسلام كثير، المؤتمرات والمعسكرات
الإسلامية والمحاضرات، تقوم بعمل أي جمعية إسلامية في أي مكان بالقانون الذي تضعه
لنفسك أنت بالتحرك في أي مكان بدون أي نوع من الأذى في الغالب، ثم نحن استعدينا
هؤلاء الناس، ولم نضع في اعتبارنا ضياع مثل هذه المصالح العظيمة التي كانت تجنيها
الدعوة، فهذا أيضاً حديث يطول.. لا شك الغرب كان فيه قدر من التسامح.. هناك أسوار مثل بلادنا فيها أسوار، لكن هناك عندهم الأسوار أوسع
بكثير فهي مثل الغابة المفتوحة لكن هناك سور في النهاية فليس الموضوع مطلق لكن هناك
المساحة المتاحة أوسع بكثير جداً من هنا.
لا نريد أن نضيع الوقت في التباكي على
المصالح الدعوية والإسلامية التي ضاعت بسبب أمثال هذه
التصرفات، لكن كان ينبغي أن يكون لنا في عواقب هذه الحادثة معتَبَر وعبرة لمن
يعتبر.
نلاحظ في
مثل هذه التصرفات فعلاً هناك أمور في كفة المصالح والمفاسد لا توضع في الحسبان
أصلاً، فتكلمنا من قبل –للأسف- في مناسبة مماثلة وهي أحداث سبتمبر عن أن في مثل هذه
التصرفات استعداء عدو لا تحتمل الأمة في ظروفها الحالية تصعيد العداء معه، أي أن
تصعيد العداء بصورة أكثر نحن لا نحتمله والأوضاع لا ينكرها أحد.. أوضاع المسلمين وصلت إلى أسوأ ما يُمكن تخيله من الضعف والهوان،
وسيطرة أمريكا طبعاً على العالم، فعملية أن هذا تفكير واقعي وهو لا يحتاج حقيقةً
حماسة الشباب بقدر ما يحتاج إلى حكمة الشيوخ الذين يحسنون إدارة
الأزمات.
نحن في وضع
استثنائي.. الأمة الإسلامية لا يمكن أن تتعامل مع واقعها الآن بنفس القواعد التي
كانت تُستعمل في أَوْج المسلمين وعزتهم وسيادتهم العالم، يوم رد هارون الرشيد: (من
هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، أما بعد، فإنه
قد بلغني كتابك والجواب ما ترى لا ما تسمع) وحصل الذي حصل في هذه
الموقعة.
فالشاهد من
الكلام: هذا واقع نحن نعيشه، ونحن لا نسوِّغ الأمر الواقع، ولا نقول نستسلم للأمر
الواقع، لكن لابد أن يحصل نوع من الحصافة، ومن تَضَلَّع بالعلم وبالفقه سيجد في كتب
الفقه أمثلة كثيرة جداً، توجد في الفقه أمور اعتبارية لمثل هذه الظروف التي نحن
فيها، وليس من حق طرف واحد أن يستَبِدّ بالساحة الإسلامية كلها ويستأثر بالتفكير
وباتخاذ قراراتٍ كل الأمة الإسلامية تحمل تبعاتها رغماً عنها ورغم
أنفها.
فعملية
استعداء عدو لا تحتمله الأمة في هذه الظروف الراهنة، وتصعيد العداء معه أكثر من ذلك
لشدة ضعف المسلمين ولعوامل كثيرة خارجية وداخلية، ناهيك عما يحدث من تعبئة شعوب
بأسرها ضد المسلمين وما يحصل بسبب ذلك من الصد عن سبيل الله تبارك
تعالى.
أذكركم
بحادثة كنا ذكرناها من قبل تحت عنوان (فوائد دراسة أشراط
الساعة) ذكرنا أن من فوائد دراسة أشراط الساعة [تعلم
الكيفية الصحيحة التي دلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كي نتعامل بها مع بعض
الأحداث المقبلة التي قد يلتبس علينا وجه الحق فيها.
يقول الله
سبحانه وتعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (128) سورة
التوبة، وفي الحديث: (إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير
ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها،
وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تُنكرونها، وتجيء فتنة، فيرقِّق بعضها بعضاً، وتجيء
الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه،
فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويُدخَلَ الجنة فلتأته منيَّته وهو يؤمن بالله واليوم
الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) وهذا الحديث رواه مسلم وأبو داود
والنسائي.
فالرسول صلى الله
عليه وسلم كان من بركة السنة ومن شدة حرصه على أمته أنه علمهم كيف يواجهون الفتن
المقبلة والأحداث المقبلة وكيف يكون التصرف فيها
فقد بشر
عثمان رضي الله عنه بالجنة على بلوى ستصيبه، وأخبر عماراً أنه تقتله الفئة الباغية،
وأمر أبا ذر رضي الله عنه أن يعتزل الفتنة وأن لا يقاتل، ولو قتل وكان حذيفة يسأله عن الشر مخافة أن يدركه ودله صلى الله عليه وسلم
كيف يفعل في الفتن، ونهى المسلمين عن أخذ شيء من جبل الذهب الذي سوف ينحسر عنه
الفرات، وبصّر أمته صلى الله عليه وسلم بفتنة الدجال وأفاض في وصفها وبين لهم ما
يعصمهم منها، وامتدت شفقة النبي صلى الله عليه وسلم لتشمل إخوانه الذين يأتون من
بعده ولم يروه، فبذل لهم النصح ودلهم على ما فيه نجاتهم وحسن
عاقبتهم.
فمن ذلك
–وهذا هو الشاهد من الكلام- قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود
في كتاب الملاحم في باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة حديث يقول فيه النبي صلى
الله عليه وسلم: (اتركوا الترك ما تركوكم ودعوا الحبشة ما ودعوكم) أي ما
تركوكم.
فمن ثم
أمسك المسلمون عن استفزاز واستثارة الترك، والترك لا تشمل أهل تركيا فقط، بل تشمل
جزء كبير من شمال آسيا، فأمسك المسلمون عن استفزاز واستثارة الترك فسلموا من
غائلتهم، ببركة اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن خالفوا التوجيه النبوي،
ولما خالفوا هذا الحديث جاء الشؤم والشر والبلاء المستطير الذي يُضرب به المثل،
أعظم محنة مرت بالعالم الإسلامي هي محنة الاجتياح التتري الذي دمر الأخضر واليابس
وفَعَل من الجرائم ما هو معلوم.
يقول
الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: (وقد قتل جنكيز خان من الخلائق ما لا يعلم عددهم
إلا الذي خلقهم، ولكن كان البداءة من خوارزم شاه) الملك (فإنه لما أرسل جنكيز خان تجاراً من جهته
معهم بضائع كثيرة من بلاده فانتهوا إلى إيران) يعني هو وفد دبلوماسي معهم بضائع
كثيرة من بلادهم وجلبوا البضائع (فانتهوا إلى إيران، فقتلهم نائبها من جهة خوارزم شاه) محافظ المكان أو الوالي، وهو مندوب من؟ خوارزم شاه الملك، (فقتلهم نائبها من جهة خوارزم شاه، وأخذ جميع ما كان معهم) نفس المنطق أنني قدرت
عليهم فلا أضيع الفرصة وأهتدرها بدون انضباط ولا بصر في
العواقب ولا في النتائج (فقتلهم نائبها من جهة خوارزم
شاه وأخذ جميع ما كان معهم، فأرسل جنكيز خان إلى خوارزم
شاه يستعلمه: هل وقع هذا الأمر عن رضىً منه، أم أنه لم
يعلم به فأنكره؟) أي ما موقفه طبعاً خطاب دبلوماسي، نفس اللغة الدبلوماسية، هل هذا
الأمر وقع بغير رضا منك -حادثة عابرة- أم أنك عرفت به وأقررته ولم تنكره (وقال فيما
أرسل إليه: من المعهود من الملوك أن التجار لا يُقتلون، لأنهم عمارة الأقاليم، وهم
الذي يحملون إلى الملوك ما فيه التحف والأشياء النفيسة، ثم إن هؤلاء التجار كانوا
على دينك) كانوا مسلمين (ثم إن هؤلاء التجار كانوا على دينك فقتلهم نائبك، فإن كان
أمراً أمرتَ به طلبنا بدمائهم، وإلا فأنت تنكره وتقتصُّ من
نائبك.
فلما سمع
خوارزم شاه ذلك من رسول جنكيز خان، لم يكن له جواب سوى
أنه أمر بضرب عنقه) أمر بضرب الرسول حامل رسالة جنكيز خان، الغباء السياسي والحماقة
التي لا تحسب ولا تتبصر في العواقب (فلم يكن له جواب سوى أنه أمر بضرب عنقه فأساء
التدبير، وقد كان خرَّف، وكبرت سنه، وقد ورد في الحديث: اتركوا الترك ما تركوكم،
فلما بلغ ذلك جنكيز خان تجهز لقتاله وأخذ بلاده، فكان بقدر الله تعالى ما كان من
الأمور التي لم يسمع بأغرب منها ولا أبشع).
فهنا نرى أن المسلمين لما خالفوا أمر
النبي صلى الله عليه وسلم بترك الترك جاءت العاقبة عنيفة مروعة مريرة حيث اجتاح
التتار ديار الإسلام في كارثة لم يسبق لها مثيل في
التاريخ.
وفي أكثر
من موضع ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى وقائع القتال بين المسلمين والتتار، وبيَّن أن المسلمين لم يكونوا يتعقبون التتار إذا فروا هاربين أمامهم، كانوا دائماً إذا قُدر صدام مع
التتار فكان بخلاف الشأن مع الكفار الآخرين -إذا فروا
يُتتبع هاربهم ويجهز عليه- لكن مع التتار بالذات كان المسلمون على وعي وانضباط بهدي النبي صلى
الله عليه وسلم وأمره إياهم: (اتركوا الترك ما تركوكم) فكان المسلمون لا يتعقبون
التتار إذا فروا هاربين أمامهم ولو كانت الرماح تنالُهم،
ومثال ذلك ما ذكره في حوادث سنة ثلاث وأربعين وست مائة يقول: (وفي
هذه السنة كانت وقعة عظيمة بين جيش الخليفة وبين التتار
لعنهم الله، فكسرهم المسلمون كسرة عظيمة، وفرقوا شملهم، وهُزموا من بين أيديهم فلم
يلحقوهم) المسلمون لم يطاردوهم (ولم يتبعوهم خوفاً من غائلة مكرهم وعملاً بقوله صلى
الله عليه وسلم: اتركوا الترك ما تركوكم)
فهذه
عبرة من عبر التاريخ أنه لا يكون من مصلحة المسلمين خاصة في مثل هذه الأوضاع التي
نحن فيها الآن أن يكون هناك استعداء واستفزاز لأمم لا نقوى على مواجهتها بالمثل، بل
بالعكس الوضع لا يخفى على أحد.
وليس
معنى ذلك أننا نثبط عن الدفاع عن بلاد المسلمين أو المقاومة المشروعة، لكن نتكلم عن
مثل هذه الاجتهادات التي تأتي بعواقب، وتعطي للقوم مسوِّغات، ومزيد من التنكيل،
ومزيد من الحرب على الإسلام وأهله.
بُعد
آخر في الحقيقة، وهو مؤلم في غاية الألم، حينما تحصل مثل هذه الحوادث، ونرى بصورة
تلقائية كرد الفعل المنعكس مباشرةً (أن هذا الإرهاب والمسلمون، والإسلام بريء من
الإرهاب)، وهذه النبرة العجيبة التي تشيع جداً في داخل بلاد المسلمين وفي خارجها،
ولكن مع ذلك هذه التصرفات تكون مثل الوقود الذي يَزيد النار اشتعالاً، ويعلي هذه
النبرة: نبرة وصف الإسلام بالإرهاب ونحو ذلك من هذه الأشياء.
موضوع
البُعد الدعائي -خاصة في مثل هذا الزمان الآن- لابد أن يوضع في الاعتبار، يعني هذا
عصر الدعاية، الآن أصبح العالم فعلاً ليس قرية واحدة بل حجرة واحدة، فعصر الدعاية
الآن الدعاية فيه لها تأثير في غاية القوة والعمق.
فهذا
العنصر الدعائي لم يهمله النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، حيث إنه صلى الله عليه
وسلم لما حصل من ذي الخويصرة التميمي ما حصل وقال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، قال عمر
رضي الله عنه: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، النبي صلى الله عليه وسلم
لم يقل له: إنه ليس منافقاً، لا، لأنه آذى الرسول صلى الله عليه وسلم هذه أذية وطعن
في الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا بلا شك من النفاق، لكن انظر إلى قول النبي صلى
الله عليه وسلم، وكيف اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم البعد الدعائي وأثره في
الدعوة قال: (لا، دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)، فالرسول صلى الله
عليه وسلم وضع في اعتباره كيف سوف تصل الرسالة الدعائية إذا قتل واحداً من جيشه، هو
في الظاهر واحد من المسلمين، فبالتالي إذا شاع في الجزيرة العربية أنه يقتل من يلحق
بدينه، ومن يدخل في دينه ويعتنق الإسلام فإنه لا ينجو من القتل، لأنهم لا يعرفون
التفاصيل، لكن سيلتقطون الرسالة بطريقة تخويف الناس، وأن من يدخل في الإسلام شوف
يُقتل.
فمن ثَم وضع
النبي -وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم والمؤيَّد بالوحي- العنصر الدعائي في
اعتباره حينما وزن الأمر، فقال: (لا، دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً صلى الله عليه
وسلم يقتل أصحابه.
فموضوع
ربط الإسلام بالدماء أحياناً نحن نتصرف بلا وعي، بصورة ليس فيها وعي كاف، ونُزكِي
هذا التشويه، بالتأكيد هناك تشويه متعمد من أعداء الإسلام، هذه ما فيها جدال سواء
من الغرب أو من الداخل أو من الخارج، أحياناً يقول بعض الناس: (هم يؤذوننا ويفعلوا
فينا) إلى آخره، لكن هناك فرق بين أن تستجلب أنت البلاء لنفسك بتصرف إرادي منك،
وبين أن يفرض عليك البلاء، فهناك فرق بين الإثنين،
فأحياناً نحن لما نُتهم بالإرهاب وهذه الأشياء، ويكون ذلك ظلماً وعدواناً على شرع
الله سبحانه وتعالى، غير لما نُعطي نحن المسوِّغات التي تقوي هذه الأوهام عند
أعدائنا.
يعني يمكن
أنتم لما تنظروا في المكتبات، ستجدوا أغلفة الكتب مليئة
بالسيوف والدماء، وأحياناً رقاب مقطوعة ونحو ذلك، هذه رسالة دعائية.. رسالة إعلامية.
أنا
كنت في زيارة للمركز الإسلامي في واشنطن، وكنت مع رئيس المركز، ودخلت المكتبة أبحث
في الكتب، وأنظر في الكتب الموجودة، فكان يقول لي: نحن نساهم في تشويه الإسلام،
وأننا نعمق تصور أن الإسلام دين الدم -والصورة التي عندهم أننا متعطشون للدماء-
فنظرت فعلاً في الكتب، الأغلفة كثير جداً تجد الدم.. سيف.. قتل.. فلابد أن نراعي نفسية
الشخص.. كيف هي الخلفية الثقافية
عنده؟
في
هذه الأيام كان هناك فيلم عُرض في أمريكا اسمه: (سيف الإسلام)، وجاء الجماعة
الأمريكان هنا، ويبدو أنهم خدعوا بعض إخواننا من الصعيد، وأوهموهم أننا نحن بلاد
الحرية والإعلام، وكل ما ستقوله سوف ننشره لك، فصوَّروا الأخ، يبدو أنهم أجلسوه
وجعلوه ساعة يتكلم، يتكلم لا مشكلة لن يخسروا شيئاً، لكن ما الجزء الذي أخذوه؟
الجزء الذي أخذوه جملة واحدة فقط فقط، جاءوا بالأخ وهو في المسجد يتكلم والتصوير
عمل (الزووم إن) وداخل على الفم بحيث أصبحت الصورة كلها
على فمه، وهو يتكلم ويترجم تحته باللغة بالإنكليزية: (إن الإسلام شجرة لا تروى إلا
بالدماء).. فقط!، هم أخذوا هذه الرسالة فقط ونقلوها.
قد
يكون الأخ عمل مقدمات طويلة تزيل ما قد يعرض من التباس أو فهم خطأ، لكن هم حذفوا كل
هذا الكلام لهدف خبيث، يريدون أن يوصلوا نفس الصورة ويؤكدوها، أن المسلمين ناس
متعطشين للدماء، فأخذوا الجملة هذه فقط، وقالوا أن الإسلام شجرة لا تروى إلا
بالدماء.
فهناك
تصرفات نحن نرتكبها تخدم هذا الهدف، لا يوجد اعتبار للصدى النفسي ورنين هذا التصرف
على تخويف الناس أكثر من الإسلام، وصدهم عن سبيل الله، مكثتُ مدة طويلة أحاول أن
أجد دليلاً مباشراً على أثر حسن الخلق في جذب الناس للإسلام، وأثر سوء الخلق في
تنفيرهم عن الإسلام، فظفرتُ وأنا أقرأ في تفسير ابن كثير منذ عدة سنوات عند تفسير
آية في سورة النحل، وهي قول الله تبارك وتعالى: (وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ
دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ
بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ} (94) سورة النحل، فالشاهد هنا أن الحافظ ابن
كثير أشار إلى معنى طيب جداً، وهو المعنى الذي كنت أبحث عنه، فإنه قال إن المسلمين
إذا عاهدوا غيرهم عهداً ثم نقضوه وغدروا به فهذا يجتلب لهم نوعين من الشر: الأول شر
لازم الشخص نفسه (فتزل قدم بعد ثبوتها) انحراف عن منهج الشرع الشريف، أما الخطأ
الثاني أو الشيء الثاني الذي يعاقب عليه: (وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله
ولكم عذاب عظيم) تذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله شرَحَها ابن كثير فقال في
تفسير سورة النحل: بما صددتم عن سبيل الله أنكم حينما تحلفون وتعاهدون ثم تغدرون
فإن هذا يكون فتنة للكفار حينما يقولون: لو كان في دينهم خير ما نقضوا العهد وما
غدروا، فيُصدون عن الدخول في الإسلام بسبب سوء مسلكهم.
ففي
الحقيقة الآلة الدعائية في هذا العصر عصر الدعاية، أنا أقول هم يشنِّعون على
المسلمين منذ زمن وليس أمراً جديداً، ولكن على الأقل نحن لا نوفر لهم مادة لمزيد من
الصدِّ عن سبيل الله، وتخويف الناس من الدين، فهناك تصرفات تغذي هذه السياسة
الإعلامية كهدية.
فأمريكا[/font:a34e
الإثنين أغسطس 01, 2011 4:53 am من طرف foufou90
» قـوآرب فـي بحــر الـحــيـــــآة
الإثنين أغسطس 01, 2011 4:02 am من طرف foufou90
» برنامج تحويل الفلاش الي رام روعه
الخميس يونيو 16, 2011 7:56 pm من طرف Admin
» برنامج فك باسورد اي ملف مضغوط روعه
الخميس يونيو 16, 2011 7:54 pm من طرف Admin
» هل تعلم أسرار عالم النوم
الخميس يونيو 16, 2011 2:07 pm من طرف Admin
» أروع مــا قيــل فـى الغــزل
الخميس يونيو 16, 2011 1:58 pm من طرف Admin
» عشرون نصيحة للطلاب في الاختبارات
الخميس يونيو 16, 2011 3:00 am من طرف foufou90
» موضوع عن الرياء كلمة عن الرياء
الخميس يونيو 16, 2011 2:55 am من طرف foufou90
» حقائق ستنصدم بأنها مُجرّد خرافات
الخميس يونيو 16, 2011 2:45 am من طرف foufou90