الاستنساخ
"إن ما يمكن ان
يصل اليه العلم سوف
يتحقق"
من أهم الموضوعات العلميه
التي فرضت نفسها علي الوسط العلمي و الأوساط العامه في السنوات القليله الماضيه وحتي الآن هو موضوع
الاستنساخ.
وقد تحدث في هذا الموضوع
كثيرون سواء ممن لهم علاقة بالموضوع وأيضاً ممن ليس لهم دراية حتي بأبسط الموضوعات
العلميه.
وأصبح أول ما يتبادر إلي ذهن معظم
الناس بمجرد سماع كلمة "استنساخ" هو أن العلماء أصبحوا يتسابقون علي أخذ خليه من أي
انسان و ليكن أحد الأنبياء أو أحد المشاهير مثل "هتلر" لانتاج طفل هو نسخه طبق
الأصل منه. وطبيعي أن يلي ذلك شعور تلقائي بالرفض و مهاجمة الفكره كليه. وفي وسط
هذا الانفعال العاطفي يصعب توصيل الحقائق العلميه لمعظم الناس. وسوف أحاول في هذا
المقال توضيح النقاط لالقاء الضوء علي الموضوع.
تعريف
الاستنساخ:
كلمة "Cloning" أو استنساخ تعني عمل نسخه جينيه طبق الأصل للنسخه الجينيه الأصليه
لأي كائن سواء من النباتات أو الحيوانات.
أمثله مختلفه للاستنساخ في
الطبيعه:
منذ بلايين السنين وحتي
الآن يتم في الطبيعه عمليات كثيره للاستنساخ بدون تدخل
الانسان.
فمثلاً بعض الحيوانات مثل
اللافقريات الصغيره من الديدان وبعض أنواع الأسماك و السحالي و الضفادع تحدث لها في
الطبيعه عمليات استنساخ. إن البويضات الغير مخصبه لهذه الحيوانات يمكن لها تحت ظروف
معينه في الطبيعه أن تنمو لتكون الحيوان الكامل و بذلك تعتبر نسخه "Clone" من الانثي التي وضعت البويضات.
وأيضاً في عالم النباتات
تحدث عمليات استنساخ طبيعيه لبعض النباتات مثل الفراوله و البطاطس و البصل. فعندما
ينمو جزء من الجذع يسمى "runner" يمكن له ان يمتد بجوار النبات الأصلي و يتكون له جذور ثم يتحول
إلي نبات كامل جديد يعتبر نسخه طبق الأصل من النبات الأصلي. وقد استفاد الانسان من
هذه الظاهرة الطبيعيه منذ آلاف السنين حيث يقوم بتقطيع جزء من النبات و زرعه لينمو
نبات جديد هو نسخه طبق الأصل من النبات الذي قطع منه هذا الجزء. والجدير بالذكر أنه
في نهاية الجزء المقطوع تنمو كتله من الخلايا الغير متخصصه تسمي "Callus" وهي قادره علي النمو عندما تزرع لتنتج خلايا متخصصه لتكون اجزاء
النبات المختلفه مثل الساق و الجذور.
أما ظاهرة الاستنساخ
الطبيعيه في الانسان فهي موجوده بيننا و مألوفه للناس منذ قديم الأزل ألا وهي
التوأم المتطابقه. ان التوأم المتطابق هو نسخه طبق الأصل من بعضها من حيث الموروث
الجيني لكل منهما و لذلك يعتبر كل منهما "Clone" أو نسخه للآخر. وهذه الظاهرة الطبيعيه تحدث نتيجة انقسام الجنين
في مراحله الأولي (عدة أيام فقط بعد اخصاب البويضه بالحيوان المنوي). و ينتج عن ذلك
أن الجنين الواحد بعد تكوينه و استكمال الطبعه الجينيه الكامله له يتم انقسامه إلي
اثنين فيصبح كلا الجنينين الناتجين نسخه طبق الأصل لبعضهما من حيث نفس المكونات
الجينيه للخلايا و ينعكس ذلك علي التشابه الكبير بينهما من حيث الشكل ووظائف
الجسم.
تجارب ناجحه للاستنساخ في
المعمل:
لقد لاحظ العلماء و درسوا
ما يحدث من عمليات استنساخ في الطبيعه و حاولوا أن يجروا تجارب مماثله علي النباتات
و الحيوانات اعتماداً علي نفس الفكره الأساسيه للاستنساخ
الطبيعي.
في مجال الزراعه مثلاً قد
لاحظ الانسان منذ آلاف السنوات ظاهرة
الاستنساخ الطبيعي في النباتات و نجح في استخدامها و الاستفاده منها. فمن الطرق
الزراعيه التي يستخدمها الانسان هو قطع جزء من النبات و زراعته لينمو نبات جديد.
وهذه الطريقه ينتج بها بعض النباتات باهظة الثمن من
الأوركيد.
أما في المجال الحيواني
فنلاحظ أيضاً أن التجارب الأولي كانت مماثله تماماً و معتمدة علي فكرة تكوين
التوائم المتطابقه في الطبيعه. وقد تمت هذه التجارب بنجاح كبير. ومن أهم هذه
التجارب هو تقسيم الجنين المتكون من عدة خلايا وفصل هذه الخلايا عن بعضها
البعض. ومن خصائص هذه الخلايا هو قدرتها
علي الأنقسام لتكوين جنين آخر يعتبر نسخه طبق الأصل من حيث الموروث الجيني للجنين
الأصلي الذي تم تقسيمه.وقد زرعت هذه الأجنه المتكونه في رحم الحيوان و نتج من ذلك
ولادة توائم متطابقه من البقر و الخراف و الخنازير و غيرها من
الحيوانات.
تجربة دوللي و لماذا هي
مختلفه؟
في عام 1997 اعلن علماء من
معهد "روزلين" الاسكتلندي أنه تم ولادة النعجه "دوللي" المستنسخه و نشر هذا البحث
الهام في مجلة "Nature" وهي من أهم المجلات العلميه في العالم. وقد لاقي هذا البحث العلمي
ردود فعل واسعه النطاق و اثار اهتماماً كبيراً في الأوساط العلميه. والسبب في هذا
ان الاستنساخ الذي تم هذه المره كان عن طريق نقل نواه خليه "متخصصه" من جسم حيوان
بالغ إلي داخل البويضه بعد تفريغها من النواه. وهذا يعتبر نجاحاً علمياً غير
مسبوق.
والجدير بالذكر ان الفكره
التي استخدمت لاستنساخ النعجه "دوللي" يرجع الفضل فيها إلي العالم "جون جوردن"
"John
Gurdon" الذي نشر
ابحاثه في هذا المجال في عام 1970.فقد نجح هذا العالم في استنساخ الضفادع في
مراحلها الأولي عن طريق نقل النواه الموجوده في
خليه من جلد أحد الضفادع البالغه إلي البويضه المفرغه من النواه لضفدعه
أخري.
وقد نجحت فــعلاً التجربه و
تكونت الضــفادع الصغيره (أبو ذنـيـبه) التي تعتبر نسـخه "Clone" من الضفدعه صاحبة النواه من الجلد. ولكن للأسف لم يكتمل نمو هذه
الضفادع الصغيره لتصل إلي مرحلة الحيوان البالغ.
وبعد نجاح عملية الاستنساخ
للنعجه دوللي توالت الأبحاث في المراكز المختلفه و نجح العلماء في إعادة التجربه
اعتماداً علي نفس الفكره. وقد نشرت الأبحاث العلميه تعلن عن ولادة فئران مستنسخه في
عام 1997 و البقر في عام 1998 و الخنازير في عام 2000 والقطط في عام
2002.
والسؤال الآن هو: ما هو
الداعي لاستنساخ الحيوانات حيث أنها تتكاثر طبيعياً؟ ويجب أن يتضح في ذهن القارىء
هنا أن العلماء لم يفكروا في استنساخ الحيوان لمجرد أن تكون وسيله اخري للتكاثر
بديلاً عن التناسل الطبيعي. إن السبب الرئيسي وراء هذه التجارب لاستنساخ الحيوانات
هو استنساخ أنواع نادرة من الحيوانات معدله وراثياً مثل البقر أو الغنم المعدل
وراثياً لانتاج أنسولين انساني أو البقر المعدل وراثياً لانتاج لبن انساني شبيه
بلبن الأم. إن التكنولوجيا و الخبره العلميه المستخدمه لانتاج حيوان معدل وراثياً
أصعب و أعلي بكثيرمن التكنولوجيا المستخدمه لاستنساخ أحد هذه الحيوانات. ولذلك
عندما ينجح العلماء في انتاج بقره معدله وراثياً لانتاج اللبن الشبيه بلبن الأم أو
حيوانات قادره علي إنتاج أجسام مضاده للأمراض التي تصيب الأنسان فيجب أن يأخذوا
منها خلايا لعمل نسخ كثيره. ويعتبر هذا النجاح من أهم الانجازات العلميه الحديثه
التي سوف تعود علي البشريه بفوائد عظيمه.
التجارب التي اجريت علي
الانسان:
بعيداً عن الضجه الاعلاميه
و الأضواء بدأت مجموعات مختلفه من العلماء في اجراء التجارب علي بويضات الانسان.
وحتي لا تثار العراقيل ضدهم فقد أطلقوا
علي هذه التجارب اسم " نقل النواه" أو "nuclear transfer" و حاولوا أن يتجنبوا لفظ "الاستنساخ". وقد نشرت ابحاث عديده في هذا المجال في المؤتمرات العلميه وكذلك في
المجلات العلميه المتخصصه بين عامي 1998 و 2002.
وهؤلاء العلماء لهم سمعه علميه طيبه وسجل من الابحاث القيمه التي نشرت في
المجلات العلميه الهامه.و توجد هذه المراكز البحثيه في استراليا ، سنغافوره ،
أوروبا ، وأمريكا.
وكان الهدف الأساسي لمعظم
هذه الأبحاث هو انتاج الجنين في مراحله الأولي لأخذ خلاياه و التي تعتبر في هذه
المرحله غير متخصصه ( خلايا جذعيه) (Stem cells).
ويجب هنا أن نفرق بين نوعين
من الاستنساخ في الانسان.
النوع الأول و الذي يثار
حوله الضجه الاعلاميه يجري بهدف ولادة طفل مستنسخ وهو ما يسمي "reproductive
cloning" بمعني
الاستنساخ بهدف التكاثر والذي قد نجح فعلاً في مجال الحيوانات منذ عام 1997 وحتي
الآن.
أما النوع الآخر و الذي
يعتبر ذو أهميه كبيرة فهو الاستنساخ بغرض تكوين خلايا جذعيه يمكن أن تتحول إلي
خلايا متخصصه لعلاج كثير من الأمـراض.
وهــذا النوع يسـمي "Therapeutic cloning" بمعني الاستنساخ العلاجي.
والفكره في الاستنساخ
العلاجي يعتمد علي تكوين خلايا جذعيه (stem cell) يمكنها أن تخصص لانتاج خلايا معينه مثل خلايا القلب أو الجهاز
العصبي أو الجهاز العضلي أو البنكرياس. وهذه الخلايا يمكن أن تزرع في جسم الانسان
في المكان الذي به تلف لأحد هذه الانسجه لاستعادة وظيفتها. والفكره هنا أن يتم
تكوين هذه الخلايا الجذعيه(stem cells) بنقل نواة أحد خلايا الشخص المراد علاجه إلي البويضه المفرغه من
النواه وبذلك تكون الخلايا الجذعيه وما ينتج عنها من خلايا متخصصه نسخه طبق الأصل
من التكوين الجيني للشخص المريض وهذا يعتبر شرط أساسي وحيوي لعدم لفظ أو طرد
الانسجه عندما تزرع في جسم المريض. أن استخدام الاستنساخ لانتاج هذه الخلايا
الجذعيه يعتبر من أكبر الاكتشافات العلميه و أهمها خطورة في هذا القرن و سوف يكون
لها دور كبير في علاج كثير من الأمراض. فمثلاً يمكن أن ينتج خلايا البنكرياس
"islet cells" لاستعاده وظيفة البنكرياس للأشخاص المصابين بمرض السكر. وكذلك فإن
انتاج الخلايا العصبيه يمكن أن تزرع لعلاج بعض الأمراض مثل المصابين بالسكته
الدماغيه أو المصابين في العمود الفقري نتيجه للحوادث وكذلك مرض الذهايمر
وباركينسونيزم. ومن المجالات الحيويه التي يمكن أن يسهم فيها الاستنساخ العلاجي هو
انتاج خلايا الجلد لاستخدامها في علاج المناطق التي دمر فيها الجلد نتيجةالحروق.
وأيضاً نعقد الأمل علي انتاج الخلايا العضليه للقلب و التي يمكن زرعها في الجزء
التالف من عضلة القلب نتيجة لانسداد شرايين القلب.
لماذا يقحم موضوع أطفال الأنابيب عند ذكر كلمة
الاستنساخ؟
بمجرد ذكر كلمة الاستنساخ
يربط كثير من الناس بينها وبين أطفال الأنابيب. و الحقيقه أنه ليس هناك علاقة
لأطفال الأنابيب بالاستنساخ. إن أطفال الأنابيب أو "الاخصاب خارج الجسم ونقل
الأجنه" هو عملية اخصاب طبيعي للبويضه بواسطة الحيوان المنوي ولكنها تتم في المعمل.
والجنين المتكون هو مثل الجنين الذي يتم الحمل فيه تلقائياً في الحياه الزوجيه
العاديه و يحمل الموروث الجيني من الأب والأم ويتم زرعه إلي رحم الأم لينمو و يكتمل
تسعة أشهر حتي الولاده.
لكن السبب الرئيسي الذي أدي
إلي الالتباس بين أطفال الأنابيب و الاستنساخ هو أن التكنولوجيا و الأجهزه
المستخدمه لنقل النواه في عملية الاستنساخ هي نفسها الموجوده في معامل أطفال
الأنابيب لاجراء ما يسمي بعملية الحقن المجهري السيتوبلازمي. ولولا التقدم
التكنولوجي و الخبره المعمليه في معامل أطفال الأنابيب لاجراء الحقن المجهري
السيتوبلازمي ما كان لتكنولوجيا الاستنساخ أن تحدث أصلاً ابتداء من تفريغ البويضه
من النواه وكذلك نقل خليه أخري اليها.
هل البويضه بدون نواه مجرد
وعاء؟
ذكر في كل المقالات التي
نشرت حديثاً عن موضوع الاستنساخ أن عملية نزع النواه من البويضه يجعلها (مفرغه) و
مجرد وعاء لاستقبال النواه الجديده المراد استنساخها.
ولكن الحقيقه أن الأمر ليس
كذلك بهذه الصوره الساذجه. إن البويضه حتي
بعد نزع النواه منها فهي تحتوي علي السائل السيتوبلازمي الملىء بمئات من الجسيمات
المختلفه ذات وظائف في غاية الأهميه و الحيويه. ومن أهم هذه الجسيمات الحيويه ما
يعرف باسم الميتوكوندريا "mitochondria" والبالغ عددها عدة مئات في كل خليه. وجدير بالذكر انها تتكون
أيضاً من الحامض النووي "DNA" مثل
النواه وبذلك فهي الجسيم الوحيد في الخليه المحتوي علي "DNA" خارج النواه. وأيضاً من الحقائق الهامه ان الميتوكوندريا تورث عبر
الأجيال من الأم فقط وليس من الأب. معني ذلك أنه بالرغم من احتواء الجنين المتكون
بالاستنساخ علي النسخه الجينيه الكامله المطابقه للنواه المنقوله إلا أن خلاياه بها
أيضاً DNA آخر موروث من البويضه التي يزعم انها "مفرغه" و
موجود في عدة مئات من الجسيمات الصغيره المسماه
بالميتوكوندريا.
وتحتوي كل ميتوكوندريا علي
حوالي 37 جين و معظمها يتحكم في عملية الأكسده الفسفوريه للخليه وهي وظيفه في غاية
الأهميه وقد وجد أن هناك علاقة بين أي خلل في وظيفة الميتوكوندريا وبين الأمراض
الوراثيه العصبيه وأمراض وهن العضلات.
كما أنه جدير بالذكر أن
الجينات الموجوده بالنواه ليست فقط مجرد ترتيب و تسلسل معين للحامض النووي
(DNA
sequence) و
لكنها تتحكم في وظائف الخليه بالمشاركه التامه مع الجسيمات الصغيره الموجوده في
السيتوبلازم عن طريق نوع معين من الحامض النووي يسمي " الرسول" أو (mRNA) الذي يحمل الرساله أو الشفره الجينيه من داخل النواه إلــي
السيتوبلازم حيث تدخـــل فــي أجـــسام أخـــري تســمي ريبوزوم (ribosomes) لتكوين البروتينات المختلفه التي تنعكس علي وظائف الخلايا. ومن
هنا نري الدور الحيوي الذي يشارك به السيتوبلازم في وظائف الخليه المختلفه عن طريق
مئات الأجسام المحتويه علي DNA
وأيضاً mRNA بقدر
لا يقل أهميه عن النواه نفسها.
ويتضح مما سبق أنه من الخطأ
أن نعتقد أن نقل النواه إلي البويضه المفرغه سوف ينتج عنه نسخه طبق الأصل من الشخص
الذي أخذت منه النواه.
الاستنساخ من الناحيه
الأخلاقيه و القانونيه:
منذ إعلان العلماء عن نجاح
ولادة النعجه المستنسخه "دوللي" عام 1997
وحتي الآن فتح باب النقاش و الدراسه بين مختلف الجهات الدينيه و القانونيه و
السياسيه و الأخلاقيه لمعرفة مدي النفع و الضرر الذي سوف يعود علي البشريه من
الاستنساخ. وقد تفجر الموقف وزادت حدة الخوف و الجدل بعد ما أعلنت شركة تكنولوجيا
بيولوجيه تسمي "كلونيد" "Clonaid" عن نجاح ولادة أول طفله مستنسخه في 26 ديسمير 2002. وقد شكك
كثيرون في صحة هذا الخبر حيث أنه قد رفضت الشركه اعطاء الدليل الدامغ لصحة ادعائهم
عن طريق اخضاع المولوده وصاحبة الخليه المستنسخه لتحاليل "DNA" الحامض النووي. و بالرغم من عدم وجود دليل علي ولادة الطفله
المستنسخه إلا أن الدافع أصبح الآن أقوي لمحاولة وضع قوانين تمنع مثل هذه التجارب العلميه. وقد أجمعت الآراء علي أنه من
غير المسموح به إجراء التجارب للأستنساخ بغرض
التكاثر بينما يمكن أن تجري بغرض العلاج لإنتاج خلايا جذعيه.
ولعل من أهم الأسباب التي
يستند إليها معارضوا الاستنساخ هو أن الطفل المولود عن هذا الطريق قد حكم عليه
مسبقاً أن يكون نسخه جينيه متطابقه من إنسان آخر. علي أن هذا الأفتراض ليس دقيقياً
حيث أن البويضه التي وضعت فيها النواه لها أكبر الأثر علي وظيفة النواهٍ نفسها كما
أن البويضه تحتوي علي DNA خارج
النواه و تأثيرها كبير جداً كما ذكر سابقاً تحت عنوان "هل البويضه مجرد
وعاء".
أما التخوف الثاني من
الاستنساخ هو التشابهه المتوقع في الشخصيات. وهذا أيضاً ليس صحيحاً حيث أن الجنين
المتكون ليس نسخه طبق الأصل كما ذكر سابقاً بالاضافه انه سوف يتعرض لظروف مختلفه
تماماً داخل الرحم حتي لحظة الولاده. كذلك فمن المعروف أن للبيئه التي سوف ينمو
فيها الطفل وطريقة تربيته أكبر الأثر علي تكوين شخصيته و التي ستكون مختلفه عن
الأصل.
ولكن الخوف الحقيقي من
الاستنساخ هو الجهل التام بمايمكن أن يصاب به هؤلاء الأطفال من تشوهات خلقيه. وهل
سيكون هناك خلل في وظائف الخلايا و بالتالي وظائف الأعضاء و الجسم ككل؟ لا أحد
يمكنه الاجابه علي هذه الاسئله الآن.
وقد حاولت معظم الدول وضع
حدود وضوابط لإجراء تجارب الاستنساخ. ففي الولايات المتحده الأمريكيه قد تم التصويت
في الكونجرس علي تشريع جديد في 8 يناير 2003 يحذر الاستنساخ للتكاثر لكن النقاش
مازال قائماً حول الاستنساخ العلاجي. أما في انجلترا فقد صدر قانون في ديسمبر 2001
يمنع استنساخ التكاثر و يسمح بالابحاث في المجال العلاجي لانتاج الخلايا الجذعيه.
ولابد من أخذ ترخيص من "HFEA" وهي
الجهه الطبيه المشرفه علي مراكز الاخصاب في انجلترا. وفي الاتحاد الأوروبي تم
التصويت علي منع الاستنساخ و السماح فقط بالابحاث العلميه للخلايا الجذعيه للعلاج.
وقد طالب الاتحاد الأوروبي في 3 يناير 2003 بضرورة اصدار اتفاق أو تشريع عالمي يحذر
الاستنساخ البشري. أما في بلد مثل ايرلندا فإن الدستور يحذر و يمنع اجراء أي تجارب علي الأجنه البشريه من قبل أن
تثار قضية الاستنساخ. وفي اليابان صدر في
نوفمبر عام 2000 قانون لمنع الاستنساخ و معاقبة المخالفين بالسجن لمدة عشرة سنوات
أو غرامه تسعون الف دولار أمريكي. وقد سارعت دول أمريكا الجنوبيه مثل كوستاريكا و
بيرو و اكوادور إلي اصدار قوانين لمنع الاستنساخ ربما لتخوفها من احتمال لجوء كثير
من علماء الولايات المتحده الأمريكيه إلي انشاء معامل الاستنساخ في هذه البلاد. أما
باقي البلاد مثل استراليا فليس هناك قانون يمنع الاستنساخ لكن هناك فقط تعليمات
تنهي المعامل من الاستنساخ بغرض التكاثر و تسمح لهم بالدراسات علي الخلايا الجذعيه.
وهذا هو الحال في معظم البلاد الأخري حيث لا يوجد قانون في هذا المجال لكن يوجد
تعليمات و اخلاقيات المهنه.
كلمه
أخيره:
إذا جاز لنا أن نعتبر أن
القرن الذي مضي هو عصر العلوم الفيزيائيه وما نتج عنها من اكتشافات مذهله مثل
الكهرباء و القوه النوويه ، فإن هذا العصر سوف يشهد له بأنه عصر العلوم الحيويه
(molecular biology). إن التعاون و الاندماج
الذي حدث بين علم الجينات وعلم الأجنه قد تخطي الحواجز و الحدود. ويجب الا ننزعج من
هذا و علينا أن نتذكر أنه علي مدي التاريخ الانساني فإن معظم الاكتشافات العلميه قد
قوبلت بالشك و الخوف أولاً ثم ما لبث أن تقبلها الناس و أدركوا مدي أهميتها عندما
لمسوا التطبيقات العلميه لها و الفوائد التي عادت علي البشريه. إن أبحاث نقل النواه
و الاستنساخ سوف تعود علي البشريه بفوائد
عظيمه ما كان لها أن تحدث قبل ذلك. ان علاج الأمراض عن طريق نقل خلايا سليمه إلي
العضو المصاب (مع ضمان عدم لفظها بالجهاز المناعي) سوف يتحقق عن طريق نقل النواه
لانتاج الخلايا الجذعيه ثم تحويل هذه الخلايا إلي خلايا متخصصه مثل خلايا القلب أو
الكبد أو البنكرياس أو الخلايا العصبيه.
وفي مجال انتاج الأدويه مثل
الأنسولين الانساني و اللبن المثيل للبن الأم و الأجسام المضادة للأمراض التي تصيب
الأنسان يمكن أن يتم هذا بالهندسه الوراثيه للحيوانات. ولزيادة عدد هذا النوع
النادر من الحيوانات (المهندس وراثياً) تجري لها عمليات استنساخ. وكذلك فإن استنساخ الأنواع النادره م
الحيوانات المهددة بالانقراض قد ينقذها من الفناء.
وفي مجال النباتات أيضاً
يستخدم فعلاً الاستنساخ لانتاج الأنواع النادره من النباتات مثل الأوركيد و
النباتات الأخري المهندسه وراثياً. وقد أصبح في العالم الآن مراكز بحثيه كبيرة تسمي
شركات التكنولوجيا الحيويه أو "biotechnology companies" . وقد أعلن العالم "ايان ويلموت" "Ian Wilmut" الذي نجح في استنساخ النعجه دوللي أنه سوف يبدأ في العمل وأخذ
ترخيص يسمح له بالقيام بالاستنساخ العلاجي في الأنسان.
إن السنوات القادمه سوف
تشهد مزيداً من الآبحاث العلميه و الاكتشافات في مجال نقل النواه و الاستنساخ و يجب
الا ننسي المقوله التي يرددها العلماء.
" في
مجال العلم ما يمكن أن يتم عمله سوف يتحقق"
((In science
what can be done will be done))
وكذلك يجب أن نتذكر تعليمات
الحكيم المصري القديم بتاح حوتب ( الاسره السادسه 2300 – 2100 قبل الميلاد) الذي
قال: "لا حدود يجب أن توضع علي الفن (العلم) ، كما أنه ليس هناك فنان أو عالم قد
وصل إلي درجة الاتقان الكامل".
"No limit may be
set to art, neither is there any craftsman that is fully master (Ptahhotep instructions 2300-2100
BC)."of his craft
"إن ما يمكن ان
يصل اليه العلم سوف
يتحقق"
من أهم الموضوعات العلميه
التي فرضت نفسها علي الوسط العلمي و الأوساط العامه في السنوات القليله الماضيه وحتي الآن هو موضوع
الاستنساخ.
وقد تحدث في هذا الموضوع
كثيرون سواء ممن لهم علاقة بالموضوع وأيضاً ممن ليس لهم دراية حتي بأبسط الموضوعات
العلميه.
وأصبح أول ما يتبادر إلي ذهن معظم
الناس بمجرد سماع كلمة "استنساخ" هو أن العلماء أصبحوا يتسابقون علي أخذ خليه من أي
انسان و ليكن أحد الأنبياء أو أحد المشاهير مثل "هتلر" لانتاج طفل هو نسخه طبق
الأصل منه. وطبيعي أن يلي ذلك شعور تلقائي بالرفض و مهاجمة الفكره كليه. وفي وسط
هذا الانفعال العاطفي يصعب توصيل الحقائق العلميه لمعظم الناس. وسوف أحاول في هذا
المقال توضيح النقاط لالقاء الضوء علي الموضوع.
تعريف
الاستنساخ:
كلمة "Cloning" أو استنساخ تعني عمل نسخه جينيه طبق الأصل للنسخه الجينيه الأصليه
لأي كائن سواء من النباتات أو الحيوانات.
أمثله مختلفه للاستنساخ في
الطبيعه:
منذ بلايين السنين وحتي
الآن يتم في الطبيعه عمليات كثيره للاستنساخ بدون تدخل
الانسان.
فمثلاً بعض الحيوانات مثل
اللافقريات الصغيره من الديدان وبعض أنواع الأسماك و السحالي و الضفادع تحدث لها في
الطبيعه عمليات استنساخ. إن البويضات الغير مخصبه لهذه الحيوانات يمكن لها تحت ظروف
معينه في الطبيعه أن تنمو لتكون الحيوان الكامل و بذلك تعتبر نسخه "Clone" من الانثي التي وضعت البويضات.
وأيضاً في عالم النباتات
تحدث عمليات استنساخ طبيعيه لبعض النباتات مثل الفراوله و البطاطس و البصل. فعندما
ينمو جزء من الجذع يسمى "runner" يمكن له ان يمتد بجوار النبات الأصلي و يتكون له جذور ثم يتحول
إلي نبات كامل جديد يعتبر نسخه طبق الأصل من النبات الأصلي. وقد استفاد الانسان من
هذه الظاهرة الطبيعيه منذ آلاف السنين حيث يقوم بتقطيع جزء من النبات و زرعه لينمو
نبات جديد هو نسخه طبق الأصل من النبات الذي قطع منه هذا الجزء. والجدير بالذكر أنه
في نهاية الجزء المقطوع تنمو كتله من الخلايا الغير متخصصه تسمي "Callus" وهي قادره علي النمو عندما تزرع لتنتج خلايا متخصصه لتكون اجزاء
النبات المختلفه مثل الساق و الجذور.
أما ظاهرة الاستنساخ
الطبيعيه في الانسان فهي موجوده بيننا و مألوفه للناس منذ قديم الأزل ألا وهي
التوأم المتطابقه. ان التوأم المتطابق هو نسخه طبق الأصل من بعضها من حيث الموروث
الجيني لكل منهما و لذلك يعتبر كل منهما "Clone" أو نسخه للآخر. وهذه الظاهرة الطبيعيه تحدث نتيجة انقسام الجنين
في مراحله الأولي (عدة أيام فقط بعد اخصاب البويضه بالحيوان المنوي). و ينتج عن ذلك
أن الجنين الواحد بعد تكوينه و استكمال الطبعه الجينيه الكامله له يتم انقسامه إلي
اثنين فيصبح كلا الجنينين الناتجين نسخه طبق الأصل لبعضهما من حيث نفس المكونات
الجينيه للخلايا و ينعكس ذلك علي التشابه الكبير بينهما من حيث الشكل ووظائف
الجسم.
تجارب ناجحه للاستنساخ في
المعمل:
لقد لاحظ العلماء و درسوا
ما يحدث من عمليات استنساخ في الطبيعه و حاولوا أن يجروا تجارب مماثله علي النباتات
و الحيوانات اعتماداً علي نفس الفكره الأساسيه للاستنساخ
الطبيعي.
في مجال الزراعه مثلاً قد
لاحظ الانسان منذ آلاف السنوات ظاهرة
الاستنساخ الطبيعي في النباتات و نجح في استخدامها و الاستفاده منها. فمن الطرق
الزراعيه التي يستخدمها الانسان هو قطع جزء من النبات و زراعته لينمو نبات جديد.
وهذه الطريقه ينتج بها بعض النباتات باهظة الثمن من
الأوركيد.
أما في المجال الحيواني
فنلاحظ أيضاً أن التجارب الأولي كانت مماثله تماماً و معتمدة علي فكرة تكوين
التوائم المتطابقه في الطبيعه. وقد تمت هذه التجارب بنجاح كبير. ومن أهم هذه
التجارب هو تقسيم الجنين المتكون من عدة خلايا وفصل هذه الخلايا عن بعضها
البعض. ومن خصائص هذه الخلايا هو قدرتها
علي الأنقسام لتكوين جنين آخر يعتبر نسخه طبق الأصل من حيث الموروث الجيني للجنين
الأصلي الذي تم تقسيمه.وقد زرعت هذه الأجنه المتكونه في رحم الحيوان و نتج من ذلك
ولادة توائم متطابقه من البقر و الخراف و الخنازير و غيرها من
الحيوانات.
تجربة دوللي و لماذا هي
مختلفه؟
في عام 1997 اعلن علماء من
معهد "روزلين" الاسكتلندي أنه تم ولادة النعجه "دوللي" المستنسخه و نشر هذا البحث
الهام في مجلة "Nature" وهي من أهم المجلات العلميه في العالم. وقد لاقي هذا البحث العلمي
ردود فعل واسعه النطاق و اثار اهتماماً كبيراً في الأوساط العلميه. والسبب في هذا
ان الاستنساخ الذي تم هذه المره كان عن طريق نقل نواه خليه "متخصصه" من جسم حيوان
بالغ إلي داخل البويضه بعد تفريغها من النواه. وهذا يعتبر نجاحاً علمياً غير
مسبوق.
والجدير بالذكر ان الفكره
التي استخدمت لاستنساخ النعجه "دوللي" يرجع الفضل فيها إلي العالم "جون جوردن"
"John
Gurdon" الذي نشر
ابحاثه في هذا المجال في عام 1970.فقد نجح هذا العالم في استنساخ الضفادع في
مراحلها الأولي عن طريق نقل النواه الموجوده في
خليه من جلد أحد الضفادع البالغه إلي البويضه المفرغه من النواه لضفدعه
أخري.
وقد نجحت فــعلاً التجربه و
تكونت الضــفادع الصغيره (أبو ذنـيـبه) التي تعتبر نسـخه "Clone" من الضفدعه صاحبة النواه من الجلد. ولكن للأسف لم يكتمل نمو هذه
الضفادع الصغيره لتصل إلي مرحلة الحيوان البالغ.
وبعد نجاح عملية الاستنساخ
للنعجه دوللي توالت الأبحاث في المراكز المختلفه و نجح العلماء في إعادة التجربه
اعتماداً علي نفس الفكره. وقد نشرت الأبحاث العلميه تعلن عن ولادة فئران مستنسخه في
عام 1997 و البقر في عام 1998 و الخنازير في عام 2000 والقطط في عام
2002.
والسؤال الآن هو: ما هو
الداعي لاستنساخ الحيوانات حيث أنها تتكاثر طبيعياً؟ ويجب أن يتضح في ذهن القارىء
هنا أن العلماء لم يفكروا في استنساخ الحيوان لمجرد أن تكون وسيله اخري للتكاثر
بديلاً عن التناسل الطبيعي. إن السبب الرئيسي وراء هذه التجارب لاستنساخ الحيوانات
هو استنساخ أنواع نادرة من الحيوانات معدله وراثياً مثل البقر أو الغنم المعدل
وراثياً لانتاج أنسولين انساني أو البقر المعدل وراثياً لانتاج لبن انساني شبيه
بلبن الأم. إن التكنولوجيا و الخبره العلميه المستخدمه لانتاج حيوان معدل وراثياً
أصعب و أعلي بكثيرمن التكنولوجيا المستخدمه لاستنساخ أحد هذه الحيوانات. ولذلك
عندما ينجح العلماء في انتاج بقره معدله وراثياً لانتاج اللبن الشبيه بلبن الأم أو
حيوانات قادره علي إنتاج أجسام مضاده للأمراض التي تصيب الأنسان فيجب أن يأخذوا
منها خلايا لعمل نسخ كثيره. ويعتبر هذا النجاح من أهم الانجازات العلميه الحديثه
التي سوف تعود علي البشريه بفوائد عظيمه.
التجارب التي اجريت علي
الانسان:
بعيداً عن الضجه الاعلاميه
و الأضواء بدأت مجموعات مختلفه من العلماء في اجراء التجارب علي بويضات الانسان.
وحتي لا تثار العراقيل ضدهم فقد أطلقوا
علي هذه التجارب اسم " نقل النواه" أو "nuclear transfer" و حاولوا أن يتجنبوا لفظ "الاستنساخ". وقد نشرت ابحاث عديده في هذا المجال في المؤتمرات العلميه وكذلك في
المجلات العلميه المتخصصه بين عامي 1998 و 2002.
وهؤلاء العلماء لهم سمعه علميه طيبه وسجل من الابحاث القيمه التي نشرت في
المجلات العلميه الهامه.و توجد هذه المراكز البحثيه في استراليا ، سنغافوره ،
أوروبا ، وأمريكا.
وكان الهدف الأساسي لمعظم
هذه الأبحاث هو انتاج الجنين في مراحله الأولي لأخذ خلاياه و التي تعتبر في هذه
المرحله غير متخصصه ( خلايا جذعيه) (Stem cells).
ويجب هنا أن نفرق بين نوعين
من الاستنساخ في الانسان.
النوع الأول و الذي يثار
حوله الضجه الاعلاميه يجري بهدف ولادة طفل مستنسخ وهو ما يسمي "reproductive
cloning" بمعني
الاستنساخ بهدف التكاثر والذي قد نجح فعلاً في مجال الحيوانات منذ عام 1997 وحتي
الآن.
أما النوع الآخر و الذي
يعتبر ذو أهميه كبيرة فهو الاستنساخ بغرض تكوين خلايا جذعيه يمكن أن تتحول إلي
خلايا متخصصه لعلاج كثير من الأمـراض.
وهــذا النوع يسـمي "Therapeutic cloning" بمعني الاستنساخ العلاجي.
والفكره في الاستنساخ
العلاجي يعتمد علي تكوين خلايا جذعيه (stem cell) يمكنها أن تخصص لانتاج خلايا معينه مثل خلايا القلب أو الجهاز
العصبي أو الجهاز العضلي أو البنكرياس. وهذه الخلايا يمكن أن تزرع في جسم الانسان
في المكان الذي به تلف لأحد هذه الانسجه لاستعادة وظيفتها. والفكره هنا أن يتم
تكوين هذه الخلايا الجذعيه(stem cells) بنقل نواة أحد خلايا الشخص المراد علاجه إلي البويضه المفرغه من
النواه وبذلك تكون الخلايا الجذعيه وما ينتج عنها من خلايا متخصصه نسخه طبق الأصل
من التكوين الجيني للشخص المريض وهذا يعتبر شرط أساسي وحيوي لعدم لفظ أو طرد
الانسجه عندما تزرع في جسم المريض. أن استخدام الاستنساخ لانتاج هذه الخلايا
الجذعيه يعتبر من أكبر الاكتشافات العلميه و أهمها خطورة في هذا القرن و سوف يكون
لها دور كبير في علاج كثير من الأمراض. فمثلاً يمكن أن ينتج خلايا البنكرياس
"islet cells" لاستعاده وظيفة البنكرياس للأشخاص المصابين بمرض السكر. وكذلك فإن
انتاج الخلايا العصبيه يمكن أن تزرع لعلاج بعض الأمراض مثل المصابين بالسكته
الدماغيه أو المصابين في العمود الفقري نتيجه للحوادث وكذلك مرض الذهايمر
وباركينسونيزم. ومن المجالات الحيويه التي يمكن أن يسهم فيها الاستنساخ العلاجي هو
انتاج خلايا الجلد لاستخدامها في علاج المناطق التي دمر فيها الجلد نتيجةالحروق.
وأيضاً نعقد الأمل علي انتاج الخلايا العضليه للقلب و التي يمكن زرعها في الجزء
التالف من عضلة القلب نتيجة لانسداد شرايين القلب.
لماذا يقحم موضوع أطفال الأنابيب عند ذكر كلمة
الاستنساخ؟
بمجرد ذكر كلمة الاستنساخ
يربط كثير من الناس بينها وبين أطفال الأنابيب. و الحقيقه أنه ليس هناك علاقة
لأطفال الأنابيب بالاستنساخ. إن أطفال الأنابيب أو "الاخصاب خارج الجسم ونقل
الأجنه" هو عملية اخصاب طبيعي للبويضه بواسطة الحيوان المنوي ولكنها تتم في المعمل.
والجنين المتكون هو مثل الجنين الذي يتم الحمل فيه تلقائياً في الحياه الزوجيه
العاديه و يحمل الموروث الجيني من الأب والأم ويتم زرعه إلي رحم الأم لينمو و يكتمل
تسعة أشهر حتي الولاده.
لكن السبب الرئيسي الذي أدي
إلي الالتباس بين أطفال الأنابيب و الاستنساخ هو أن التكنولوجيا و الأجهزه
المستخدمه لنقل النواه في عملية الاستنساخ هي نفسها الموجوده في معامل أطفال
الأنابيب لاجراء ما يسمي بعملية الحقن المجهري السيتوبلازمي. ولولا التقدم
التكنولوجي و الخبره المعمليه في معامل أطفال الأنابيب لاجراء الحقن المجهري
السيتوبلازمي ما كان لتكنولوجيا الاستنساخ أن تحدث أصلاً ابتداء من تفريغ البويضه
من النواه وكذلك نقل خليه أخري اليها.
هل البويضه بدون نواه مجرد
وعاء؟
ذكر في كل المقالات التي
نشرت حديثاً عن موضوع الاستنساخ أن عملية نزع النواه من البويضه يجعلها (مفرغه) و
مجرد وعاء لاستقبال النواه الجديده المراد استنساخها.
ولكن الحقيقه أن الأمر ليس
كذلك بهذه الصوره الساذجه. إن البويضه حتي
بعد نزع النواه منها فهي تحتوي علي السائل السيتوبلازمي الملىء بمئات من الجسيمات
المختلفه ذات وظائف في غاية الأهميه و الحيويه. ومن أهم هذه الجسيمات الحيويه ما
يعرف باسم الميتوكوندريا "mitochondria" والبالغ عددها عدة مئات في كل خليه. وجدير بالذكر انها تتكون
أيضاً من الحامض النووي "DNA" مثل
النواه وبذلك فهي الجسيم الوحيد في الخليه المحتوي علي "DNA" خارج النواه. وأيضاً من الحقائق الهامه ان الميتوكوندريا تورث عبر
الأجيال من الأم فقط وليس من الأب. معني ذلك أنه بالرغم من احتواء الجنين المتكون
بالاستنساخ علي النسخه الجينيه الكامله المطابقه للنواه المنقوله إلا أن خلاياه بها
أيضاً DNA آخر موروث من البويضه التي يزعم انها "مفرغه" و
موجود في عدة مئات من الجسيمات الصغيره المسماه
بالميتوكوندريا.
وتحتوي كل ميتوكوندريا علي
حوالي 37 جين و معظمها يتحكم في عملية الأكسده الفسفوريه للخليه وهي وظيفه في غاية
الأهميه وقد وجد أن هناك علاقة بين أي خلل في وظيفة الميتوكوندريا وبين الأمراض
الوراثيه العصبيه وأمراض وهن العضلات.
كما أنه جدير بالذكر أن
الجينات الموجوده بالنواه ليست فقط مجرد ترتيب و تسلسل معين للحامض النووي
(DNA
sequence) و
لكنها تتحكم في وظائف الخليه بالمشاركه التامه مع الجسيمات الصغيره الموجوده في
السيتوبلازم عن طريق نوع معين من الحامض النووي يسمي " الرسول" أو (mRNA) الذي يحمل الرساله أو الشفره الجينيه من داخل النواه إلــي
السيتوبلازم حيث تدخـــل فــي أجـــسام أخـــري تســمي ريبوزوم (ribosomes) لتكوين البروتينات المختلفه التي تنعكس علي وظائف الخلايا. ومن
هنا نري الدور الحيوي الذي يشارك به السيتوبلازم في وظائف الخليه المختلفه عن طريق
مئات الأجسام المحتويه علي DNA
وأيضاً mRNA بقدر
لا يقل أهميه عن النواه نفسها.
ويتضح مما سبق أنه من الخطأ
أن نعتقد أن نقل النواه إلي البويضه المفرغه سوف ينتج عنه نسخه طبق الأصل من الشخص
الذي أخذت منه النواه.
الاستنساخ من الناحيه
الأخلاقيه و القانونيه:
منذ إعلان العلماء عن نجاح
ولادة النعجه المستنسخه "دوللي" عام 1997
وحتي الآن فتح باب النقاش و الدراسه بين مختلف الجهات الدينيه و القانونيه و
السياسيه و الأخلاقيه لمعرفة مدي النفع و الضرر الذي سوف يعود علي البشريه من
الاستنساخ. وقد تفجر الموقف وزادت حدة الخوف و الجدل بعد ما أعلنت شركة تكنولوجيا
بيولوجيه تسمي "كلونيد" "Clonaid" عن نجاح ولادة أول طفله مستنسخه في 26 ديسمير 2002. وقد شكك
كثيرون في صحة هذا الخبر حيث أنه قد رفضت الشركه اعطاء الدليل الدامغ لصحة ادعائهم
عن طريق اخضاع المولوده وصاحبة الخليه المستنسخه لتحاليل "DNA" الحامض النووي. و بالرغم من عدم وجود دليل علي ولادة الطفله
المستنسخه إلا أن الدافع أصبح الآن أقوي لمحاولة وضع قوانين تمنع مثل هذه التجارب العلميه. وقد أجمعت الآراء علي أنه من
غير المسموح به إجراء التجارب للأستنساخ بغرض
التكاثر بينما يمكن أن تجري بغرض العلاج لإنتاج خلايا جذعيه.
ولعل من أهم الأسباب التي
يستند إليها معارضوا الاستنساخ هو أن الطفل المولود عن هذا الطريق قد حكم عليه
مسبقاً أن يكون نسخه جينيه متطابقه من إنسان آخر. علي أن هذا الأفتراض ليس دقيقياً
حيث أن البويضه التي وضعت فيها النواه لها أكبر الأثر علي وظيفة النواهٍ نفسها كما
أن البويضه تحتوي علي DNA خارج
النواه و تأثيرها كبير جداً كما ذكر سابقاً تحت عنوان "هل البويضه مجرد
وعاء".
أما التخوف الثاني من
الاستنساخ هو التشابهه المتوقع في الشخصيات. وهذا أيضاً ليس صحيحاً حيث أن الجنين
المتكون ليس نسخه طبق الأصل كما ذكر سابقاً بالاضافه انه سوف يتعرض لظروف مختلفه
تماماً داخل الرحم حتي لحظة الولاده. كذلك فمن المعروف أن للبيئه التي سوف ينمو
فيها الطفل وطريقة تربيته أكبر الأثر علي تكوين شخصيته و التي ستكون مختلفه عن
الأصل.
ولكن الخوف الحقيقي من
الاستنساخ هو الجهل التام بمايمكن أن يصاب به هؤلاء الأطفال من تشوهات خلقيه. وهل
سيكون هناك خلل في وظائف الخلايا و بالتالي وظائف الأعضاء و الجسم ككل؟ لا أحد
يمكنه الاجابه علي هذه الاسئله الآن.
وقد حاولت معظم الدول وضع
حدود وضوابط لإجراء تجارب الاستنساخ. ففي الولايات المتحده الأمريكيه قد تم التصويت
في الكونجرس علي تشريع جديد في 8 يناير 2003 يحذر الاستنساخ للتكاثر لكن النقاش
مازال قائماً حول الاستنساخ العلاجي. أما في انجلترا فقد صدر قانون في ديسمبر 2001
يمنع استنساخ التكاثر و يسمح بالابحاث في المجال العلاجي لانتاج الخلايا الجذعيه.
ولابد من أخذ ترخيص من "HFEA" وهي
الجهه الطبيه المشرفه علي مراكز الاخصاب في انجلترا. وفي الاتحاد الأوروبي تم
التصويت علي منع الاستنساخ و السماح فقط بالابحاث العلميه للخلايا الجذعيه للعلاج.
وقد طالب الاتحاد الأوروبي في 3 يناير 2003 بضرورة اصدار اتفاق أو تشريع عالمي يحذر
الاستنساخ البشري. أما في بلد مثل ايرلندا فإن الدستور يحذر و يمنع اجراء أي تجارب علي الأجنه البشريه من قبل أن
تثار قضية الاستنساخ. وفي اليابان صدر في
نوفمبر عام 2000 قانون لمنع الاستنساخ و معاقبة المخالفين بالسجن لمدة عشرة سنوات
أو غرامه تسعون الف دولار أمريكي. وقد سارعت دول أمريكا الجنوبيه مثل كوستاريكا و
بيرو و اكوادور إلي اصدار قوانين لمنع الاستنساخ ربما لتخوفها من احتمال لجوء كثير
من علماء الولايات المتحده الأمريكيه إلي انشاء معامل الاستنساخ في هذه البلاد. أما
باقي البلاد مثل استراليا فليس هناك قانون يمنع الاستنساخ لكن هناك فقط تعليمات
تنهي المعامل من الاستنساخ بغرض التكاثر و تسمح لهم بالدراسات علي الخلايا الجذعيه.
وهذا هو الحال في معظم البلاد الأخري حيث لا يوجد قانون في هذا المجال لكن يوجد
تعليمات و اخلاقيات المهنه.
كلمه
أخيره:
إذا جاز لنا أن نعتبر أن
القرن الذي مضي هو عصر العلوم الفيزيائيه وما نتج عنها من اكتشافات مذهله مثل
الكهرباء و القوه النوويه ، فإن هذا العصر سوف يشهد له بأنه عصر العلوم الحيويه
(molecular biology). إن التعاون و الاندماج
الذي حدث بين علم الجينات وعلم الأجنه قد تخطي الحواجز و الحدود. ويجب الا ننزعج من
هذا و علينا أن نتذكر أنه علي مدي التاريخ الانساني فإن معظم الاكتشافات العلميه قد
قوبلت بالشك و الخوف أولاً ثم ما لبث أن تقبلها الناس و أدركوا مدي أهميتها عندما
لمسوا التطبيقات العلميه لها و الفوائد التي عادت علي البشريه. إن أبحاث نقل النواه
و الاستنساخ سوف تعود علي البشريه بفوائد
عظيمه ما كان لها أن تحدث قبل ذلك. ان علاج الأمراض عن طريق نقل خلايا سليمه إلي
العضو المصاب (مع ضمان عدم لفظها بالجهاز المناعي) سوف يتحقق عن طريق نقل النواه
لانتاج الخلايا الجذعيه ثم تحويل هذه الخلايا إلي خلايا متخصصه مثل خلايا القلب أو
الكبد أو البنكرياس أو الخلايا العصبيه.
وفي مجال انتاج الأدويه مثل
الأنسولين الانساني و اللبن المثيل للبن الأم و الأجسام المضادة للأمراض التي تصيب
الأنسان يمكن أن يتم هذا بالهندسه الوراثيه للحيوانات. ولزيادة عدد هذا النوع
النادر من الحيوانات (المهندس وراثياً) تجري لها عمليات استنساخ. وكذلك فإن استنساخ الأنواع النادره م
الحيوانات المهددة بالانقراض قد ينقذها من الفناء.
وفي مجال النباتات أيضاً
يستخدم فعلاً الاستنساخ لانتاج الأنواع النادره من النباتات مثل الأوركيد و
النباتات الأخري المهندسه وراثياً. وقد أصبح في العالم الآن مراكز بحثيه كبيرة تسمي
شركات التكنولوجيا الحيويه أو "biotechnology companies" . وقد أعلن العالم "ايان ويلموت" "Ian Wilmut" الذي نجح في استنساخ النعجه دوللي أنه سوف يبدأ في العمل وأخذ
ترخيص يسمح له بالقيام بالاستنساخ العلاجي في الأنسان.
إن السنوات القادمه سوف
تشهد مزيداً من الآبحاث العلميه و الاكتشافات في مجال نقل النواه و الاستنساخ و يجب
الا ننسي المقوله التي يرددها العلماء.
" في
مجال العلم ما يمكن أن يتم عمله سوف يتحقق"
((In science
what can be done will be done))
وكذلك يجب أن نتذكر تعليمات
الحكيم المصري القديم بتاح حوتب ( الاسره السادسه 2300 – 2100 قبل الميلاد) الذي
قال: "لا حدود يجب أن توضع علي الفن (العلم) ، كما أنه ليس هناك فنان أو عالم قد
وصل إلي درجة الاتقان الكامل".
"No limit may be
set to art, neither is there any craftsman that is fully master (Ptahhotep instructions 2300-2100
BC)."of his craft
الإثنين أغسطس 01, 2011 4:53 am من طرف foufou90
» قـوآرب فـي بحــر الـحــيـــــآة
الإثنين أغسطس 01, 2011 4:02 am من طرف foufou90
» برنامج تحويل الفلاش الي رام روعه
الخميس يونيو 16, 2011 7:56 pm من طرف Admin
» برنامج فك باسورد اي ملف مضغوط روعه
الخميس يونيو 16, 2011 7:54 pm من طرف Admin
» هل تعلم أسرار عالم النوم
الخميس يونيو 16, 2011 2:07 pm من طرف Admin
» أروع مــا قيــل فـى الغــزل
الخميس يونيو 16, 2011 1:58 pm من طرف Admin
» عشرون نصيحة للطلاب في الاختبارات
الخميس يونيو 16, 2011 3:00 am من طرف foufou90
» موضوع عن الرياء كلمة عن الرياء
الخميس يونيو 16, 2011 2:55 am من طرف foufou90
» حقائق ستنصدم بأنها مُجرّد خرافات
الخميس يونيو 16, 2011 2:45 am من طرف foufou90