منتدى المركز الثقافي لبلدية بليمور

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى المركز الثقافي لبلدية بليمور

منتدى للابداع و الثقافة

المواضيع الأخيرة

» كلمات × كلمات
لمدينة تخرج من أسوارها  قصص للفتيان والأطفال I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 01, 2011 4:53 am من طرف foufou90

» قـوآرب فـي بحــر الـحــيـــــآة
لمدينة تخرج من أسوارها  قصص للفتيان والأطفال I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 01, 2011 4:02 am من طرف foufou90

» برنامج تحويل الفلاش الي رام روعه
لمدينة تخرج من أسوارها  قصص للفتيان والأطفال I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 7:56 pm من طرف Admin

» برنامج فك باسورد اي ملف مضغوط روعه
لمدينة تخرج من أسوارها  قصص للفتيان والأطفال I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 7:54 pm من طرف Admin

» هل تعلم أسرار عالم النوم
لمدينة تخرج من أسوارها  قصص للفتيان والأطفال I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 2:07 pm من طرف Admin

» أروع مــا قيــل فـى الغــزل
لمدينة تخرج من أسوارها  قصص للفتيان والأطفال I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 1:58 pm من طرف Admin

» عشرون نصيحة للطلاب في الاختبارات
لمدينة تخرج من أسوارها  قصص للفتيان والأطفال I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 3:00 am من طرف foufou90

» موضوع عن الرياء كلمة عن الرياء
لمدينة تخرج من أسوارها  قصص للفتيان والأطفال I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 2:55 am من طرف foufou90

» حقائق ستنصدم بأنها مُجرّد خرافات
لمدينة تخرج من أسوارها  قصص للفتيان والأطفال I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 2:45 am من طرف foufou90

التبادل الاعلاني

احداث منتدى مجاني

    لمدينة تخرج من أسوارها قصص للفتيان والأطفال

    avatar
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 453
    نقاط : 26727
    تاريخ التسجيل : 09/04/2011
    الموقع : بلدية بليمور

    لمدينة تخرج من أسوارها  قصص للفتيان والأطفال Empty لمدينة تخرج من أسوارها قصص للفتيان والأطفال

    مُساهمة  Admin الأحد مايو 08, 2011 3:45 pm

    المدينة تخرج من أسوارها

    قصص للفتيان والأطفال



    من منشورات اتحاد الكتاب العرب

    دمشق - 2004



    وقف سامر وسط السهل الفسيح وأرسل نظره نحو المدينة. لقد غادرها صبياً، وهاهو ذا يعود إليها شاباً قوياً وجميلاً. بدت لـه المدينة مثل قبة ضخمة تلمع تحت أشعة الشمس الغاربة الواهنة. استغرب منظرها وخاطب نفسه: هل ضللت الطريق؟ المدينة التي ولدت فيها وأحببتها لا تشبه هذه المدينة التي أمامي في شيء!...

    ثم نظر حوله وفكر: الجبل هو الجبل والكروم هي الكروم.. تلك هي غابة السنديان وذاك هو التل الحبيب الذي كنت أمضي إليه عند غروب الشمس وأرقب من فوقه رجوع الحصادين والرعاة وقطعانهم إلى المدينة.. كانت أغانيهم العذبة تملأ السهل وتتسلق سفوح الجبل.

    شعر سامر بغصة عذبة صعّدها صدره الشاب تنهيدة حارة وأحس كأن نسمة خفيفة تحمله بيد سحرية إلى زمن طفولته العجيب الحبيب، فتنهد بحرقة هذه المرة وشعر بالأسى، وتعالى من أعماقه صوت هتف به لائماً: كان ينبغي ألا تغادر هذه الأماكن!

    قال سامر بصوت مرتفع وكأنه يرد على الصوت الداخلي:

    ـ لقد دفعت الثمن اشتياقاً كاوياً وحنيناً موجعاً وندماً شديداً وها أنذا عائد لأصحح غلطتي تلك.

    وتقدم سامر باسطاً يديه وكأنه يريد احتضان مدينته التي تلوح بعيداً في السهل الفسيح مثل قبة لامعة.

    صارت دهشة سامر تكبر وتكبر كلما مضى قدماً باتجاه المدينة. فالمدينة، هي في الواقع، على شكل قبة ملساء مغلقة، الدروب التي كانت تصل إليها من الجهات كلها صارت تدور حولها لتلتقي في درب عريض ينتهي إلى ما يشبه الكهف القاتم ولـه أبواب حديدية مصمتة تغلق فلا يرى من في الداخل شيئاً خارجها ولا يرى من في الخارج شيئاً داخلها.

    حين اقترب سامر من ذلك الباب الضخم سمع صوتاً يهتف به:

    ـ قف مكانك وارفع يديك عالياً!

    وقف سامر مضطرباً من غير أن يرفع يديه فصاح به ذلك الصوت:

    ـ قلت لك: ارفع يديك. ألم تسمع؟

    قال سامر:

    ـ بلى سمعت. ولكن ما الداعي إلى ذلك؟

    ـ لا تتفلسف. الأوامر هي الأوامر.

    رفع سامر يديه فتقدم منه شاب يحمل سلاحاً وفتشه جيداً ثم سأله:

    ـ من أنت؟ وماذا تريد؟

    ـ اسمي سامر وأريد الدخول إلى مدينتي.

    ـ تقول مدينتك ولا تعرف القوانين التي تنظم الدخول إليها والخروج منها!

    قال سامر:

    ـ حين كنت في هذه المدينة لم تكن "القوانين" موجودة. كانت مدينتنا بلا أبواب. لأنها كانت بلا قبة كهذه..

    ـ هذا يعني أنك تعيش في الغربة منذ زمن بعيد جداً.

    ـ أجل. لقد غادرت هذه المدينة منذ زمن بعيد.. ولولا ذلك الجبل وتلك الغابة، وخاصة لولا ذلك التل، لما عرفتها ولعدت أدراجي وأمضيت حياتي غريباً.

    سأله الحارس المسلح:

    ـ ومن يثبت لنا أنك لا تكذب؟

    ـ وما الذي يدعوني إلى الكذب!

    ـ لا أدري. فقد تكون صادقاً وقد تكون كاذباً. قد تكون جاسوساً أرسله الأعداء متنكراً أو قد تكون من أولئك الناس الذين يسمون الجنون حكمة.. لقد تسلل بعضهم إلى مدينتنا وحاولوا إفساد عقول أهلها وتخريب أنظمتها المقدسة.



    توقف الحارس عن الكلام وضحك ضحكاً صاخباً.

    دهش سامر وسأله متلطفاً:

    ـ ما الذي يضحكك؟

    ـ تذكرت سحنة أحد هؤلاء. كان رجلاً يدّعي الوقار ويتظاهر بالمهابة.. ومع ذلك كان المجنون الأكبر بين جميع المجانين الذين رأيتهم في حياتي... هه، هه، هه... كان يتفوه بكلمات عجيبة غريبة يتحمس لها جداً فتجحظ عيناه وتتقدان بلهب مخيف.. لقد عذبناه في قبو المجانين حتى الموت.. وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة خاطب الحراس والجلادين قائلاً: "أيها الحمقى، يا أجراء الطغاة المتوحشين، لقد أتيت لتحريركم من العبودية!" فتصور إلى أي حد وصل به الجنون!

    أطرق سامر مفكراً وترقرقت الدموع في عينيه... فهل صارت مدينته الحبيبة قاتلة لأبنائها الأنقياء المخلصين!

    كف الحارس عن الضحك ووقف مستعداً حين سمع صوتاً يصيح به من قرب الباب!

    ـ إيه، أيها الحارس! ماذا دهاك؟ هيا، أحضر الغريب إلى هنا إن كنت قد فتشته جيداً.

    صوب الحارس سلاحه نحو سامر وأمره بقسوة:

    ـ ارفع يديك وسر أمامي.. حذار، حذار من القيام بأية حركة مريبة.

    نظر إليه سامر مستغرباً فصاح به:

    ـ قلت لك: سر أمامي. هيا، لا تفتح فمك.

    تقدم سامر رافع اليدين والحارس خلفه حتى وصلا إلى أمام باب السور. أحاط بهما عدد من الحراس المسلحين وصوبوا إلى وجه سامر ضوءاً باهراً وسأله أحدهم:

    ـ من أنت؟ وماذا تريد؟

    ـ اسمي سامر. ولدت في هذه المدينة وعشت فيها طفولتي ثم غادرتها. وقد عذبني الحنين والشوق فعدت لأعيش فيها. وها أنذا بينكم وأريد الدخول إلى مدينتي.

    قال أحدهم:

    ـ حسناً، حسناً، سنغض النظر عن حنينك وشوقك الآن وسنشفيك منهما فيما بعد.. أما الآن فقل لنا من أي أحياء المدينة أنت؟

    ـ أنا من الحي الشرقي. بيتنا قرب دغل الحور الذي قرب العين، مختار حارتنا يدعى أبو ماجد.. في حوش بيتنا شجرة جوز وسنديانة و...

    ـ كفى، كفى... هيا، أحضروا المختار القديم أبا ماجد...

    وبإشارة من قائدهم عصبوا عيني سامر وقيدوا يديه ورجليه ثم أدخلوه إلى مكان ما وأجلسوه على مقعد غير مريح.

    عقدت الدهشة والخوف لسان سامر فلم يسألهم شيئاً. كان يفكر حزيناً: "أهكذا صارت حال مدينتي الحبيبة التي تركت العالم لأعود إليها؟ إذا كان مدخل المدينة هكذا فكيف هي الحال في داخلها؟ أتكون بوابة الجحيم أكثر هولاً من الجحيم؟"

    شعر سامر بالندم لأنه عاد إلى هذه المدينة.. لكن خيال الإنسان العجيب الذي لا تستطيع أية عصابة أن تعصب عينيه، ولكن ذكريات الإنسان التي لا تستطيع أية أسوار أن تحول دونها جاءت لتنجد سامر في ساعته العصيبة هذه.. فهاهي ذي صورة الحي الشرقي ترتسم في مخيلته، وهاهي ذي شجرات الحور تميس بقدودها الرشيقة. إنه يسمع حفيف أوراقها ويسمع خرير مياه النبع. وهاهو ذا يلعب صغيراً مع أولاد الحي، وهاهي ذي الوجوه الإنسانية الطيبة تمر في خاطره تباعاً وتحييه وهي تبتسم بحب حقيقي وترحب به بحرارة. وينتفض سامر بإباء ويهمس بتصميم وحزم: "من أجلهم جميعاً أتيت ولن أبخل بأية تضحية في سبيل أن أعيش معهم، فإما أن نتحرر جميعاً أو نموت معاً ونحن نكافح".

    وعادت وجوه رفاقه القدامى تطل تباعاً.. وجوه حبيبة لا يستطيع أن ينساها... وخطر لـه خاطر: "لقد كبروا جميعاً كما كبرت وصاروا شباناً كما صرت، فكيف سمحوا بحدوث ما حدث ويحدث؟ هل كان ما حدث أقوى منهم جميعاً أم تراهم تغيروا وحلت الفظاظة والأنانية محل الرقة والطيبة والشجاعة في نفوسهم؟ ليتني أعرف فوراً ما حل بهم!"



    تعالت في الخارج ضجة ووقع خطوات كثيرة وسمع سامر صوتاً يقول:

    ـ أحضرنا المختار العتيق أبا ماجد يا سيدي!

    ارتعش سامر لسماع الاسم وارتسمت في مخيلته صورة الرجل الأسمر القوي الذي فرض مهابته على المدينة القديمة بطيبته وشهامته ورجولته وسأل نفسه: "ألم ينسني العم أبو ماجد؟ لقد طالت غيبتي وكبرت وتغيرت ملامحي فهل سيعرفني؟"

    ودخلت جماعة إلى المكان وسمع سامر صوتاً يسأل:

    ـ هل تعرف هذا الشاب يا أبا ماجد؟ وهل كان حقاً من أهل مدينتنا؟

    قال أبو ماجد بصوت مرتعش:

    ـ الجبين الذي أراه هو جبين سامر ابن أبي الوفاء. لقد ضمدت الجرح الذي أصاب جبينه صغيراً. هاهو ذا أثر الجرح إلى يمين الجبين. ولكن أرجو أن تفكوا العصابة عن عينيه لأتيقن من ذلك.

    أشار قائدهم إلى أحد الحراس ففك العصابة عن عيني سامر فالتقت عيناه عيني الشيخ الحزينتين... فكر سامر "يا إلهي! كيف حل كل هذا الحزن في هاتين العينين!" وأومضت إشراقة من فرح على وجه الشيخ ثم اختفت كالبرق.. أدرك سامر أن في قرارة بئر أحزان هذا الرجل بقايا فرح إنساني أصيل ووميض أمل خافت.. وهمَّ سامر بالوثوب لعناق الشيخ فأعاقته القيود التي كبلوه بها.

    تهدج صوت الشيخ وهو يقول:

    ـ أجل، أيها السادة، إنه سامر ابن أبي الوفاء جاري وصديقي القديم، رحمه الله! ثم أطرق الشيخ وغمغم:

    ـ كنت أعرف أنك ستعود يوماً وقد أتيت فأهلاً وسهلاً بك يا بني!

    سمع سامر في صوت الرجل المرتعش صخب أمواج هائلة، وولولة رياح عاصفة، وأنين كرامة رجل حبيسة جريح تمضغ على مضض مرارات مهانات لا تطاق. وفكر سامر: "وهل في الدنيا أبشع من ذلك وأشد هولاً"؟!

    قال أبو ماجد مخاطباً رئيس الحراس:

    ـ أنا أعرفه جيداً يا سيدي. وإن كنتم ستسمحون لـه بدخول المدينة فأرجو أن تسمحوا لـه بالإقامة في منزلي.. فأنا ـ كما تعلمون ـ أعيش وحيداً منذ زمن بعيد.

    فكر سامر: "يعيش وحيداً.. ولكن كيف؟ كان بيته بيت الحي الشرقي كله، وكانت بيوت الحي كلها بيته، ناهيك عن أبنائه وبناته!"

    قال رئيس الحرس بقسوة:

    ـ خذه يا أبا ماجد، خذه!

    ثم توجه إلى الحراس وأمرهم:

    ـ فكوا قيوده وليدخل إلى مدينتنا فنحن بحاجة إلى عبيد أقوياء.

    فكر سامر مشفقاً: "عبيد أقوياء! هل هذا يعني أن أهل مدينتي صاروا عبيداً وضعفاء!"

    أومأ أبو ماجد لسامر فتبعه صامتاً. طرقات المدينة مبلطة تنيرها مصابيح شاحبة.. الصمت شامل فلا صوت ولا حركة سوى وقع خطوات تتبع في الظلام الرجلين اللذين يسيران صامتين.



    ***

    فتح أبو ماجد باب منزله وأضاء المصباح وأشار إلى مقعد وقال لسامر:

    ـ تفضل، اجلس يا ولدي!

    جلس سامر على المقعد وسارع أبو ماجد إلى إغلاق الباب وإيصاده ثم اقترب من سامر وقال:

    ـ أرجو أن تخاطبني همساً وأن تصغي إليّ جيداً حين أكلمك كي تفهم ما أهمسه لك فلا أضطر إلى رفع صوتي. كما أرجو أن تنتبه جيداً لكل حركة أو إشارة أو رفة جفن تصدر عني أو أضطر إلى الصمت المطبق والسكون الأصم.

    سأل سامر هامساً بخوف:

    ـ لماذا، لماذا يا عماه! أنا لا أفهم شيئاً مما يحدث. افهمني كيف حدث ما حدث ولماذا حدث؟ من أين أتى هؤلاء وكيف أذلوا المدينة وسيطروا عليها؟ لماذا أحاطوها بهذا السور الرهيب وضربوا فوقها هذه القبة الخانقة؟

    قال أبو ماجد بصوت يكاد يختنق:

    ـ بعض هؤلاء كان بين ظهرانينا وجاء بعضهم الآخر من بلدان بعيدة. وكنا غافلين عنهم وعما يدبرون. والأشرار دائماً يتحالفون على الشر والأذى بينما يتجادل الأبرار حول العدالة المطلقة، وحين يفطنون إلى ما يجري حولهم يكون الوقت قد فات وأفلت زمام الأمور من أيديهم فينتصر الأشرار وينهزم الأبرار الطيبون.. أما عن بناء السور والقبة فيزعمون أنهما لحماية المدينة من هجمات الأعداء!

    قال سامر غاضباً:

    ـ ولكن أسوار المدن الحقة هي أسلحة أبنائها الأحرار الذين يجمعهم الحب ويسود بينهم التعاطف والتعاضد!

    ـ أعرف ذلك يا بني، أعرف ذلك.. أخفض صوتك أرجوك!

    ـ المعذرة يا عماه! لم أعتد بعد على الكلام همساً.

    ـ أرجو أن تعتاد ذلك سريعاً فلا ندفع ثمناً باهظاً لكلامنا.

    ـ أإلى هذا الحد وصلت الأمور؟

    ـ حذار يا بني، حذار! إنهم على الأبواب كلها وعيونهم على النوافذ.

    ـ وهذه القبة يا عماه، ألا تحجب الشمس عن المدينة وتعيق طيران الحمائم والنسور في جوها؟

    ـ الحمائم والنسور في الأقفاص والرجال والشبان في السجون والأقبية أو تحت المراقبة المشددة الدائمة. الظهور التي ترتفع تحنيها السياط والعيون التي تنظر إلى الأعلى تسمل. الريبة والحذر في كل مكان ومن كل شيء، فلا أخ يثق بأخيه ولا أخت بأختها ولا زوج بزوجه. الجميع يسيرون ويعملون مطرقين صامتين.. لقد نسي الناس الفرح وتغيروا. إنها الحياة يا بني تغير البشر وكل شيء.

    ـ الحياة تغير الناس يا عماه.. هذا صحيح.. ولكن ليس من المحتم أن تغيرهم جميعاً نحو الأسوأ.. الحياة يا عماه تحول الناس نحو الأفضل والأسمى.. هزيمة المخلصين إلى حين يا عماه.. لا بد من أن يفتح الشر عيون الناس للبحث عن جذوره والعمل على اجتثاثها.

    ـ يذكرني كلامك يا سامر بكلام الرعيل الأول من شهداء المدينة. لقد اندفعوا بشرف إلى مكافحة الشر فسقطوا قتلى لأن المؤامرة كانت أكبر من شجاعتهم ونبلهم. لقد شيعت المدينة أفضل أبنائها بحزن، كان موت الرجال أهون منه على الرجال.. ولكن ما الحيلة! لقد أعد الأشرار العدة جيداً وحسبوا حساباً لكل شيء...

    ـ أشم في كلامك رائحة القنوط المطلق يا عماه.. أرى أنهم أقاموا سوراً رهيباً حول المدينة وأقاموا أسواراً أرهب حول عقولكم.

    ـ لو لم أكن أعرفك جيداً يا بني... لو لم أكن أعرف والدك من قبلك لما تجاسرت على التفوه بكلمة واحدة أمامك.

    ـ وكيف الخلاص يا عماه! يجب أن نعمل شيئاً من أجل خلاصنا وخلاص أهلنا..

    ـ الخلاص هو في الفرار من هذه المدينة التي حلت عليها اللعنة. ثمة نفق سري لا يعرف مكانه غيري يمر تحت السور وينتهي إلى مغارة في الجبل. لقد ناضل كثيرون من الفتيان الأشداء من أجل الخلاص فكان خلاصهم شنقاً وصلباً وتمثيلاً فظيعاً بأجسادهم. لقد أخفقت الأساليب التي استخدمت حتى الآن للخلاص منهم. وآخر محاولة للخلاص كانت تلك التي قام بها صديقي حمدان. لقد دعا الناس إلى الثورة فلبى دعوته عدد غير قليل قاتلوا ببسالة حتى هلكوا. وجرح صديقي فأخفيته وضمدت جراحه وأرشدته إلى النفق فهرب ونجا بنفسه.

    ـ أنت ترشدني إلى النفق الذي يخرجني من المدينة ويبعدني إلى الأبد عن أهلها الفقراء الطيبين. وأنا أريد أن نبحث عن نفق خاص يوصلنا إلى قلوب الناس وعقولهم ويتيح لنا اجتذابهم إلى العمل معاً من أجل الخلاص العام وليس من أجل الخلاص الفردي.

    ـ نم يا بني نم. وسترى المدينة غداً فترى بعينيك ما تسمع بعضه مني الآن. لقد أرسلوك معي تحدياً لنا وليفجعوني بك كما فجعوني بأبنائي. وقد يكون من حسن حظك أنهم صاروا يستهينون بقوانا وقدرتنا على التحرك ضدهم. لقد أسكرتهم انتصاراتهم علينا إلى حد ما.

    ـ سأدرس الأوضاع جيداً يا عماه مستفيداً من تجارب كل الذين سبقوني إلى العمل وسأتعلم من أخطائهم. تصبح على خير يا عماه!

    أطفأ العم أبو ماجد المصباح فعم الظلام المكان.

    ***

    استيقظ سامر باكراً، جرياً على عادته، لكنه لبث في فراشه بعض الوقت. كان الحلم الذي رآه جميلاً عاد به إلى أيام طفولته الجميلة فلعب مع رفاقه وتراشقوا بمياه العين وحفروا أسماءهم على جذوع أشجار الحور. وتذكر سامر أن اسمه واسم صديقته الصغيرة هيفاء محفوران على جذع الشجرة التي فوق النبع تماماً.. شعر سامر بحرقة في صدره فتنهد: "هل ما زالت تتذكرني؟ وهل تراها كبرت كثيراً؟ أهي رشيقة القوام رائعة العينين كما كانت في طفولتها؟" ونهض مسرعاً.

    بادره أبو ماجد بتحية الصباح فرد التحية وانتعل حذاءه مسرعاً.

    قال أبو ماجد:

    ـ أراك مستعجلاً!

    ـ سأذهب لأغسل وجهي بمياه النبع يا عماه وأمتع عيني بمنظر أشجار الحور الباسقات.

    ـ مياه النبع جُرّت إلى قصور الأغنياء يا بني، وشجرات الحور لم تعد موجودة منذ زمن بعيد...

    هتف سامر حانقاً:

    ـ يا للقتلة!

    ـ صدقت يا بني! لقد قتلوا كل ما يجمع بين الناس على الحب والمودة وأزالوا من الوجود كل ما يمكن أن يذكرهم بذلك. لقد زرعوا الرعب في قلوب الناس، وحيث يسري الرعب تزداد الريب والوساوس ويزداد الناس عزلة بعضهم عن بعضهم الآخر. ويزدادون ضعفاً.

    قال سامر مفكراً:

    ـ لقد استفادوا من تجارب طغاة العالم في القهر والنهب وعلينا أن نستفيد من تجارب المناضلين في مدينتنا والعالم لنتمكن من جمع شمل المظلومين والظفر على الظالمين.

    نهض سامر وهم بالخروج فسأله أبو ماجد:

    ـ إلى أين؟

    ـ أريد التجوال في بعض أحياء المدينة.

    ـ لكنك لم تتناول طعامك.. ثم إن الثياب التي ترتديها تدل على أنك غريب. لقد احتفظت بثياب ابني الشهيد ماجد وأظن أنها تناسبك. كل يا بني قبل أن تذهب وسأحضر لك الثياب سريعاً.

    ارتدى سامر الثياب التي أحضرها أبو ماجد وتناول بعض الطعام وخرج. الأحياء خالية خاوية إلا من بعض الشيوخ والعجائز. حياهم سامر وقد عرف أكثرهم فردوا على تحياته بفتور.. أحس وكأن العيون تقول له: "لماذا عدت أيها المغترب المسكين!" وكان يفكر! "ولكني عدت حباً بكم ومن أجلكم أيها الناس!".

    وخفق قلبه خفقاناً شديداً. إنهما عيناها، أجل عيناها الرائعتان. لقد لمحها تختلس النظر إليه ورأى عينيها تضطربان بقلق. تبعها وهمس:

    ـ هيفاء! مرحباً يا هيفاء!



    ـ لماذا هجرت المدينة يا سامر!

    ـ أجبرتني الظروف القاسية على ذلك وكنت صغيراً.

    ـ عن أية ظروف قاسية تتكلم؟ هه، يا للعذر!

    ـ هأنذا عدت يا هيفاء!

    ـ ولكن ظروفاً أقسى من ظروفك تلك تجبرني على الابتعاد عنك وعدم الثقة بك.

    ـ منذ متى أصبحت قاسية إلى هذا الحد؟ ألا تثقين بي؟

    ـ علمتني الحياة أشياء كثيرة. ويبدو أنك لا تميز بين الخوف والقسوة. أنا أخافك يا صاحبي وأرجو أن تكون موضعاً للثقة. وداعاً!

    غابت هيفاء في الزحام ووقف سامر مرتبكاً. اقترب منه ثلاثة رجال أشداء يحملون الهراوات وسأله كبيرهم:



    ـ من أنت؟ لماذا كنت تكلم الفتاة؟

    ـ اسمي سامر، وتلك الفتاة كانت رفيقتي أيام الطفولة.

    ـ أيام الطفولة إذن؟ خذ!

    وشاركه رفيقاه الضرب فلاذ سامر بالفرار.

    أدرك سامر معنى قول أبي ماجد: "آذانهم على الأبواب كلها وعيونهم على النوافذ" وتعلم درساً جديداً.

    ذهب في اليوم التالي إلى سوق المدينة. رأى حمالاً يقع تحت حمله الثقيل فأسرع لمساعدته. حين أنهضه ورفع معه الحمل إلى ظهره وهم بالمسير تقدم منه ثلاثة رجال أشداء يحملون الهراوات وخاطبه كبيرهم:

    ـ من أنت ولماذا ساعدت الحمال؟

    ـ رأيته يقع تحت الحمل فأشفقت عليه وساعدته.

    ـ تقول أشفقت إذن؟ خذ!

    وانهال الثلاثة عليه ضرباً فلاذ بالفرار وتعلم درساً آخر. لقد أكد لـه البريق الذي أومض في عيني الحمال حين ساعده أن قلوب الناس ما تزال تحتفظ بكثير من الجمر تحت أكوام الرماد.. وأدرك أن مهمته الأولى تتجسد في إيجاد وسيلة يذرّي([1]) بها الرماد عن جمرات القلوب فتتوهج. وسأل نفسه: "ما هي تلك الوسيلة، وكيف السبيل إليها؟"

    عاد إلى بيت أبي ماجد حزيناً متعباً. رأى أبو ماجد آثار الضرب على جسده فقال:

    ـ إنهم أشرس مما تتوقع يا سامر!

    ـ يجب أن نكون أصلب مما يتوقعون وأدهى. إن ما رأيته يزيدني إصراراً على إيجاد الطريقة المثلى لمقاومتهم والخلاص منهم... قلت لي إن العم حمدان ما يزال حياً وهو خارج السور. أليس كذلك؟

    ـ أجل قلت ذلك. هل تريد الهرب والخلاص بجلدك؟ أتريد أن أوصلك إلى باب النفق السري؟ هيا يا بني! اتبعني اتبعني! العين لا تقاوم مخرزاً يا سامر!

    ـ الناس ليسوا عيوناً وحسب يا عماه! للناس زنود قوية تعرف كيف تحمل السلاح وكيف تقاوم. المهم الآن أن نجد وسيلة نوقظ بها الناس ونعيد الثقة إلى نفوسهم.

    ـ ولماذا سألتني عن حمدان والنفق؟

    ـ الخلاص الفردي انهزام يا عماه! بل هو انسلاخ عن الآخرين وخيانة لهم... والآخرون هم أنت وهيفاء وكل الأهل والوطن! أريد أن أرى الثائر القديم حمدان لأتبادل معه الرأي حول ما ينبغي أن نفعله معاً. أنا واثق من أنه استخلص الكثير من الدروس والعبر من فشل التمرد الذي قاده، وقد يكون توصل إلى وضع خطة جديدة للعمل.

    ـ بل أظنه الآن يتلمس جراحه القديمة ويتلوى ندماً على الحماقة التي ارتكبها.

    ـ لماذا تحاول أن تسد جميع المنافذ في وجهي يا عماه! لا أصدق أن الأيام غيرتك إلى هذا الحد.

    ـ لقد أدبتني الحوادث فتأدبت. وأنا أخاف عليك مما أنت مقبل عليه... ثم إنني لا أسد في وجهك المنافذ.. لقد أخبرتك بأمر النفق وأنا مستعد لإرشادك إلى مكانه فهيا بنا!

    ـ يجب ألا نخرج معاً فيتبعنا الحراس ويكتشفون النفق.

    ـ النفق تحت ذلك الصندوق الخشبي لن يتبعك أحد ولن يكتشفه أحد. لقد وثقت بك وها أنذا أرشدك إلى مكانه. اذهب يا بني وبلغ تحياتي إلى صديقي حمدان...

    ***

    كان النفق ضيقاً ومظلماً وطويلاً وكثير التعرجات. زحف سامر وزحف حتى كاد التعب يضنيه. كان يزحف ويفكر: "حياة الاستبداد ضيقة ومظلمة وقد تكون طويلة ولكنها ذات نهاية كما لهذا النفق".



    ولمح من بعيد بصيص ضوء فهتف لاهثاً: "هي ذي نهاية النفق تلوح هناك فمتى تلوح نهاية الاستعباد والظلم؟"

    كانت أمام مخرج النفق صخرة كبيرة تحجبه عن مدخل الكهف الذي هي فيه. دار سامر حول الصخرة واتجه نحو مدخل الكهف فسمع صوتاً يقول:

    ـ عمن تبحث أيها الشاب؟

    التفت سامر إلى مصدر الصوت فرأى شيخاً يجلس على صخرة في إحدى زوايا الكهف فأسرع نحوه وقال:

    ـ السلام عليك أيها الشيخ! هل أنت الثائر القديم حمدان؟

    ـ يبدو أن صديقي أبا ماجد قد أخبرك بكل شيء فأتيت إليَّ! أهلاً وسهلاً بك يا بني! كنت أظن أنني سأضطر إلى العودة للنضال وحدي ولكن الحياة تبرهن لي كل يوم أنها أكرم بالرجال مما نظن.

    ـ المدينة في حال لا تطاق أيها الشيخ! يجب أن نسارع إلى العمل على إنقاذها. لقد أتيت إليك لأستفيد من تجربتك وحكمتك.

    ـ تجربتي وحكمتي تحتاجان إلى قوتك وعزيمتك يا بني.

    ـ قلت لي إنك كنت ستعود للنضال وحدك فهل أعددت العدة للعودة والنضال؟

    ـ أجل يا بني. لقد أعددت سلاحاً لا يخطر لهم على بال. لقد حاربتهم بالسيف في نفر من الفرسان فغلبونا.. فلتبق ذكرى رفاقي ممجدة ومقدسة! كانوا فعلاً رجال سيف نادري المثال.. أما الآن فسأبدأ المعركة الجديدة ضدهم بهذه القصبة.

    أخرج حمدان شبابة من قصب من عبه وقدمها إلى سامر وقال:

    ـ هل تجيد العزف على هذه الشبابة يا بني!

    قال سامر محتداً:

    ـ أتسخر مني يا شيخ حمدان!

    ـ أنا لا أسخر يا بني بل أنا على أقصى درجات الجد.. ولو لم أكن على ثقة كاملة بك ما أطلعتك على سلاحي. أنا أثق بأبي ماجد ثقة كاملة، ولا يصل إلى هنا إلا من يثق به.. وأنا أثق بالذي يثق به أبو ماجد.

    ـ هل تريدني أن أصدق أننا سنهاجم قلاعهم الحصينة وندحر جنودهم المدججين بأحدث الأسلحة بالنفخ في هذه القصبة؟

    ـ لقد وصلت إلى هذه النتيجة بعد تفكير دام شهوراً قاسية وطويلة.

    ـ إذن أنت لا تمزح يا شيخ حمدان!

    ـ قلت لك ذلك من البداية. لقد ساعدني مجيئك على إكمال الخطة التي رسمتها وسهَّل عليَّ تنفيذها.

    سأل سامر:

    ـ هل أستطيع الاطلاع على خطتك؟

    ـ أجل. سيعود أحدنا إلى المدينة

    قال سامر بحزم:

    ـ سأعود أنا.. أظن أن الجميع يعرفونك هناك وسيكتشفون أمرك سريعاً فأنت ثائر معروف.

    ـ صدقت يا بني. ستعود أنت إلى المدينة وتتنكر في زي شاب فقير وتقف في أكثر الأماكن ازدحاماً بالناس وتستعطي وستعزف الألحان التي سأدربك على عزفها. ستعزف لهم ألحاناً حزينة في البداية. اجعلهم يشعرون بالحزن فدموع الحزن تجلو العيون فترى وتبحث عن الفرح. وسيدعونك إلى حفلات أفراحهم الصغيرة لتعزف لهم، وهنا تقع على عاتقك مهمة أكبر: عليك أن تثير في قلوبهم الشوق إلى الأفراح الكبيرة.. وحين يتفتح الفرح الكبير في قلب الإنسان تتفتح في أعماقه أزهار الكرامة.. وحيث تنمو هذه الأزهار يتلاشى الذل والخنوع وتنتصب قامات الرجال والنساء. وكلما رأيت قامة تنتصب أرسل صاحبها إليّ عبر النفق السري وسأقوم هنا بتدريب القادمين على حمل السلاح.. وحين تبدأ المعركة الفاصلة ستعزف على هذه الشبابة ألحان الحمية والثورة وستردد آلاف الأفواه الثائرة أناشيدنا المجيدة. هيا خذ هذه الشبابة يا بني وهلمَّ أدربك على العزف فنحن في سباق مع الزمن..

    تناول سامر الشبابة بأنامل مرتعشة وراح يعزف ما كان قد تدرب على عزفه أيام طفولته. هتف الشيخ حمدان معجباً:

    ـ أنت تجيد العزف يا بني وتعرف جيداً من أين تبدأ!

    ***

    بعد أيام عاد سامر إلى المدينة. صار ينزل نهاراً إلى الأسواق في زي شحاذ فقير وينفخ في شبابته فتنوح وتحرك أشجان صدور الناس فتدمع عيونهم.. وفي أول الليل يجلس على مكان مرتفع ويرسل ألحانه الشجية فتهب أنسام وتترقرق ينابيع وتتماوج حقول وترفرف أجنحة. وذات مساء رأى نافذة تفتح ثم رأى أخرى وأخرى فخاطب نفسه: "كنت على صواب يا شيخ حمدان، لقد بدأ الناس يفتحون نوافذهم للهواء النقي وسيطرد الهواء العفن من بيوتهم ومن قلوبهم.. وعما قريب سوف تنتصب قامات الرجال".

    وفي ليلة تالية أتت هيفاء وجلست قربه وهو مستغرق في العزف. قالت لـه حين أنهى معزوفته:

    ـ سلمت يداك يا سامر. لقد فعلت ما لم يفعله سواك.

    ـ هيفاء! كيف عرفتني!

    ـ وهل تظن أني نسيت أيام طفولتنا يا سامر؟ لقد عزفت على شبابتك هذه ألحان أغنيات تلك الأيام فأثرت شجوني وعرفتك فأتيت إليك.

    ـ أثير أشجان الماضي وأفراحه كي نصحو على الحاضر ونعمل للمستقبل.

    ـ لقد تجسد أجمل ما في الأزمنة في عزفك. إن الفن النابع من أعماق الإنسان هو دائماً ابن الحاضر المنبثق من الماضي وهو دائماً يتطلع إلى المستقبل ويحمل بشائره.

    ـ وهل صرت موضع ثقتك يا هيفاء؟

    ـ من يفعل بنفسه كما فعلت بنفسك من أجل إيقاظ الناس هو أهل لثقة الناس وحبهم، أنا أثق بك يا سامر وأحبك أيضاً.

    ـ كنت واثقاً من أنك لم تتغيري. أنا فخور بك يا هيفاء. أنت تستطيعين الحركة بين الناس أكثر مني. كوني صلة الوصل بيني وبينهم. يجب أن تعملي بحذر ويقظة يا هيفاء!

    ـ لم نتعلم شيئاً في هذه المدينة كما تعلمنا الحذر واليقظة. ثق بي يا سامر فأنا أثق بك كل الثقة.

    نهضت هيفاء ومضت رشيقة جميلة.. تماوج في جنبات الليل صوت الشبابة تغريدة فرح فأمطر الليل أزهاراً تتراقص نشوى. أطلت من النوافذ رؤوس صبايا وشبان واشرأبت من الأقبية أعناق متعبة.. كان فرح اللحن يغسل أسى القلوب ويفتح فيها نوافذ للأشواق والأحلام. حين تنبه الحراس واندفعوا ليبحثوا عن مصدر اللحن المفرح كانت مئات الشبابات في أرجاء المدينة تعزف اللحن الذي فتح نوافذ الفرح في أسوار الليل. لقد نفض مئات الناس الغبار عن شباباتهم المنسية وشرعوا يعزفون فجن جنون الحراس الذين لم يكونوا قد تدربوا على مصاولة مثل هذا العدو الخطير.

    ***

    في الأيام التالية صار الشبان يختفون من المدينة بكثرة فظن الناس، أول الأمر، أن الحراس يخطفون الشبان ويخفونهم كما جرت العادة.

    وحين خرجت المدينة من أسوارها أدرك الطغاة أن الأسوار كانت وهماً ظنوا أنه يحميهم من غضب الشعب ويكبت ذلك الغضب.

    SSS








    [b]

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 2:54 am