منتدى المركز الثقافي لبلدية بليمور

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى المركز الثقافي لبلدية بليمور

منتدى للابداع و الثقافة

المواضيع الأخيرة

» كلمات × كلمات
حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات: I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 01, 2011 4:53 am من طرف foufou90

» قـوآرب فـي بحــر الـحــيـــــآة
حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات: I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 01, 2011 4:02 am من طرف foufou90

» برنامج تحويل الفلاش الي رام روعه
حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات: I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 7:56 pm من طرف Admin

» برنامج فك باسورد اي ملف مضغوط روعه
حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات: I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 7:54 pm من طرف Admin

» هل تعلم أسرار عالم النوم
حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات: I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 2:07 pm من طرف Admin

» أروع مــا قيــل فـى الغــزل
حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات: I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 1:58 pm من طرف Admin

» عشرون نصيحة للطلاب في الاختبارات
حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات: I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 3:00 am من طرف foufou90

» موضوع عن الرياء كلمة عن الرياء
حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات: I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 2:55 am من طرف foufou90

» حقائق ستنصدم بأنها مُجرّد خرافات
حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات: I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 2:45 am من طرف foufou90

التبادل الاعلاني

احداث منتدى مجاني

    حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات:

    avatar
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 453
    نقاط : 26727
    تاريخ التسجيل : 09/04/2011
    الموقع : بلدية بليمور

    حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات: Empty حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات:

    مُساهمة  Admin الأربعاء مايو 11, 2011 2:09 pm



    1
    حياة النبي العامة والخاصة وخوارق العادات:

    جرت حياة الرسول عليه الصلاة والسلام
    -الخاصة والعامة- على قوانين الكون المعتادة؛ فلم تخرج -في جملتها- عن هذه السنن
    القائمة الدائمة.

    هو -من حيث أنه بشر- يجوع ويشبع، ويصح
    ويمرض، ويتعب ويستريح، ويحزن ويسر، ولكن الناس أنفسهم في هذه النواحي صنوف لا
    تجمعها قاعدة عامة، منهم المتهالك على ضروراته، فلو نقص حظه منها قليلا طاش لبه
    وخارت قواه. ومنهم الجلد الصبَّار يجزئه النزر اليسير ويمضي لغايته رافع الرأس موطد
    العزم.

    إن الآلات التي تدار بالزيوت تتفاوت. منها
    الرديء الذي يستهلك أثقال الوقود ولا يجدي فتيلا، ومنها الجيد الذي يروع إنتاجه على
    قلة إمداده.

    والبشر كذلك مع أبدانهم وضروراتها
    ومرفهاتها.

    والمطالع لسيرة محمد بن عبدالله يرى من
    طبيعة حياته الخاصة صلابة المعدن الذي صيغ منه بدنه صياغة أعجزت العمالقة، وأمكنت
    صاحبه من أن يحمل أعباء الحياة ومشاق الجهاد، ولأواء العيش، وهو منتصب
    مقدام.

    نعم: هناك من العباقرة عمي وصم وممعودون
    ومصدورون، غير أن العبقرية شأن دون النبوة، ومن تمام نعمة الله على امرىء ما أن
    يرزق العافية من هذه الأدواء كلها لتتم بهذه العافية السابغة العناصر التي تصحح
    نظرته إلى الحياة ومسلكه فيها.

    وقد كان محمد عليه الصلاة والسلام -من هذه
    الناحية- بشراً كاملاً. وكانت حياته متسقة مع سنن الله الكونية في البطولات
    الممتازة.

    أما حياته العامة -رسولاً يبلِّغ عن الله
    ويربِّي المؤمنين، ويقاوم الكافرين، ويدأب على نشر دعوته حتى تؤتي ثمارها في
    الآفاق- فلا شك أن القرآن العزيز هو مهادها وبناؤها.

    ومع أن القرآن كتاب معجز، إلا أنه يقوم على
    إيقاظ المواهب العليا في الإنسان، فهو أشبه بالأحداث الجليلة التي تعرض لك فتحملك
    على التفكير بأصالة وبصر، ومن ثَمَّ فهو كتاب إنساني يعين الوعي العام على النضج
    والسداد.

    {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
    {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا
    وَنَذِيرًا}.

    والفارق بين توجيه العرب بالقرآن وتوجيه
    اليهود بنتق الجبل، كالفارق بين صوت الإرشاد يهدي العاقل إلى الطريق، وسوط العذاب
    يلسع الدابة البليدة لتمضي إلى الأمام، فلا تسير خطوة إلا رمت بعجزها إلى الوراء
    خطوات.

    وكان عبدالله بن رواحة
    ينشد:

    وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق مكنون
    من الفجر ساطع

    أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات
    أنَّ ما قال واقع

    يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت
    بالمشركين المضاجع


    ومن المحققين من يرى أن القرآن هو المعجزة
    الفريدة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم يلحظون في هذا الحكم التعريف اللفظي
    للمعجزة من أنها خارق للعادة مقرون بالتحدي، ولم يعرف هذا التحدي إلا
    بالقرآن.

    وقد ملنا إلى قريب من هذا الرأي، لا بالنظر
    إلى التعريف اللفظي للمعجزة بل بالنظر إلى القيمة الذاتية للخوارق الأخرى بالنسبة
    إلى الأهداف الرفيعة التي جاء بها الإسلام.

    على أنه لا صلة للعقيدة ولا للعمل بهذه
    البحوث، فالرجل الفاسد لا يغفر له فساده إيمانه بأن الرسول عليه الصلاة والسلام
    أظلته غمامة، أو كلّمهُ جماد، والرجل الصالح لا يغمز مكانته إنكاره لهذه
    الخوارق..

    فإن هذه البحوث ترجع إلى التقدير العلمي
    لأدلة الإثبات، والتقويم المحض لما في الوقائع نفسها من معان ، وليس للخطأ والصواب
    فيها مساس بإيمان.

    وقد سرت في المسلمين لوثة شنعاء في نسبة
    الخوارق إلى الصالحين منهم، حتى كادت جمهرتهم تقرن بين علو المنزلة في الدين وخرق
    قوانين الأسباب والمسببات، وحتى جاء من المؤلفين في علم التوحيد من
    يقول:

    وأثبتن للأوليـــــــــــــا الكرامة ومن
    نفاها فانبذن كلامــــــــــــه!!


    وصلة هذا الإثبات بعلم التوحيد كصلته بعلم
    النحو أو علم الفلك!! أي أن حقيقة الدين بعيدة عن هذه البحوث، سواء انتهت بالسلب أو
    بالإيجاب.

    والخوارق التي يتهامس بها المفتونون
    لأوليائهم هي تعبير سيء عن رذائل الكسل والحمق التي تكمن في طواياهم. كما أن
    الأحلام الطائشة التي تعتري النائم تعبير عن الاضطراب الذي يملأ نفسه ويرهق
    أعصابه.

    هذا فتح الباب الموصد من غير مفتاح، وهذا
    طار في الهواء بغير جناح، وهذا بال على حجر فانقلب ذهباً، وهذا اطلع الغيب واتخذ
    عند الرحمن عهداً...!!

    وأمثال هذه السخافات كثير... وهي تدل على
    جهل بحقيقة الدين وحقيقة الدنيا . وتدل على أن مروِّجيها أضل عقولاً وقلوباً من أن
    يعرفوا سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام وسيرة أصحابه.

    ما كان محمد رجل خيال يتيه في مذاهبه ثم
    يبني حياته ودعوته على الخرافة. بل كان رجل حقائق يبصر بعيدها كما يبصر قريبها، فإن
    أراد شيئاً هيأ له أسبابه وبذل في تهيئتها -على ضوء الواقع المر - أقصى ما في طاقته
    من حذر وجهد، وما فكر قط ولا فكر أحد من صحابته أن السماء تسعى له حيث يقعد، أو
    تنشط له حيث يكسل، أو تحتاط له حيث يفرط. ولم تكن خوارق العادات ونواقض الأسباب
    والمسببات أساساً ولا طلاء في بناء رجل عظيم أو أمة عظيمة.

    إن محمداً و صحبه تعلموا وعلموا، وخاصموا
    وسالموا، وانتصروا وانهزموا، ومدوا شعاع دعوتهم إلى الآفاق، وهم على كل شبر من
    الأرض يكافحون، لم ينخرم لهم قانون من قوانين الأرض، ولم تلن لهم سنة من سنن
    الحياة، بل إنهم تعبوا أكثر مما تعب أعداؤهم، وحملوا المغارم الباهظة في سبيل ربهم؛
    فكانوا في ميدان تنازع البقاء أولى بالرسوخ والتمكين.

    وقد لقنهم الله عز وجل هذه الدروس الحازمة
    حتى لا يتوقعوا محاباة من القدر في أي صدام، وإن كانوا أحصف رأياً من أن يتوقعوا
    هذا.

    قال الله لرسوله (صلَّى الله عليه وسلم):
    {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ
    مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا
    مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا
    مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ
    تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ
    مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ
    أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا
    حِذْرَكُمْ}.

    فانظر: كيف يكلَّفون -وهم في الصلاة وبين
    يدي الله- بأشد الحذر والانتباه؟ إن الله لم يدع أملاً يخامر أنفسهم بأن الملائكة
    سوف تنزل لعونهم! إن لم يخدموا أنفسهم فلن يخدمهم أحد! ذلك هو خطاب الله لمحمد
    وصحبه...

    وعندما ذهل المسلمون عن هذا الدرس في غزوة
    "أحد" لُطموا لطمة موجعة جندلت من أبطالهم سبعين، وأمضَّهم خزي الهزيمة، فوقف زعيم
    الكفر يومئذ -أبو سفيان- يقول اعلُ هُبل...

    وأبلى النبي عليه الصلاة والسلام بلاءً
    شديداً لينقذ الموقف، وقاتل وَقَتَلَ، وأصيب في نفسه.

    عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه
    الصلاة والسلام يوم أحد: "اشتدَّ غضب الله على قوم فعلوا بنبيه هكذا -ويشير إلى
    رباعيته- اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) في سبيل
    الله".

    وعن أنس أن رسول الله (صلَّى الله عليه
    وسلم) كسرت رباعيته يوم أحد وشجَّ رأسه. فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: كيف يفلح
    قوم شجُّوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله؟. فأنزل الله عز وجل قوله:
    {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ
    فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.

    أرأيت التفريط في أسباب النصر جلب شيئاً غير
    الهزيمة؟ أوَ لو كان الذين انهزموا هم ممثلي التوحيد الحق؟! أوَ لو كان الذين
    انتصروا هم سدنة الوثنية المحضة!!

    وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد
    غزوة ورَّى بغيرها ويقول: الحرب خدعة، ومع قيامه بالأسباب على ما أوجب الله،
    واحترامه للقوانين الطبيعية التي تنظم حياة البشر. مع ذلك فقد استطاعت بعض قبائل
    العرب أن تخدعه، وأن تستدرج طائفة من القرّاء من أفضل أصحابه ليقتلوهم عن آخرهم في
    بئر معونة، فما دلَّت على مصارعهم إلا الطيور تحلِّق في الجو مرفرفة على أشلاء
    الشهداء...

    إن هؤلاء الرجال الذين ذهبوا ضحية الغدر من
    أحب خلق الله إلى الله، ومع ذلك فما أذن لأحد منهم أن يطير بغير جناح، أو يتحول عن
    هذا القدر المتاح كما يفكر متأخرة المسلمين اليوم.

    ولئن كان الحذر والحيطة من سنن النبوة، إن
    الإعداد واستنفاد الجهد فيه من آكد هذه السنن، وبماذا تحسب محمداً عليه الصلاة
    والسلام انتصر على الناس؟

    لقد أنضج رجاله بالإيمان كما ينضج الصيف
    بلهبه البطيء أطايب ثماره، فلما أرسلهم إلى أنحاء الدنيا طَوَّفوا بها، ولهم زئير
    كزئير العاصفة المكتسحة المهتاجة..

    بل إن الإسلام -من يوم بدئه- كان معركة
    يقودها الوحي، ولذلك شَبَّه الله بوادره الهامية بعاصفة ذات صواعق
    ورعود:

    {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ
    يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ
    وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}.

    أترى للتراخي والتواكل ثغرة في هذه الصفوف
    المتزاحفة؟.

    يا ويل مسلمي اليوم من انتظارهم لخوارق
    العادات في دنيا كشَّرت عن أنيابها لاستئصال شأفتهم.

    نحن لا ننكر أن هناك عجائب خارقة تقع للناس.
    بيد أنها تقع للمؤمن والكافر، والبر والفاجر. فلو أن رجلاً سار على الماء دون أن
    تبتل قدماه ما دل ذلك على صلاحه، لأن مناط الصلاح بما شرع الله من عمل وإيمان فحسب،
    وإثبات هذه الخوارق لأصحابها مسألة تاريخية بحتة لمن شاء تقصي العجائب، ولا ارتباط
    لها بأصل الإيمان والتكليف، وذلك -بداهة- غير المعجزات المشاهدة للمرسلين بصحة
    التبليغ عن الله، على أن النبوات بما قارنها من خوارق قد انتهت مع الماضي البعيد،
    فليس للتحكك بها من جدوى -وقد علمت أن معجزة محمد بن عبدالله (صلَّى الله عليه
    وسلم) لم تكن على غرار ما سبقها، بل كانت معجزة إنسانية عقلية دائمة. ثم نظم الله
    له حياته ودعوته وفق قوانين الأسباب والمسببات كما رأيت.

    ولم يكن محمد (صلَّى الله عليه وسلم) يعرف
    الغيب. كان كأي بشر آخر لا يدري ماذا يكسب غداً؟!.

    ولا ينبغي أن ينتظر منه شيء من ذلك بعد أن
    انتهى إليه أمر الله:

    {ققُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا
    شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ
    وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ
    يُؤْمِنُونَ}.

    وربما اقترب منه من يضمر الشر ويظهر الود
    -وهو لا يعلم به- حتى تفضحه التجارب.

    {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا
    تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}.

    وسيفاجأ يوم القيامة برجال تركهم وهو يعدهم
    مؤمنين ثابتين، ثم تكشفت الفتن عن سواد باطنهم وسوء عقباهم. فيقول ما قال عيسى من
    قبل:

    {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا
    تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}.

    وقد يطلعه الله على بعض الغيوب لحِكَم خاصة.
    كما جاء في التنزيل الإنباء بهزيمة الفرس أمام الروم بعد النصر الكبير الذي سبق لهم
    أن أحرزوه وسارت بحديثه الركبان، وشمت له الوثنيون، وحزن له المسلمون مظاهرة منهم
    لأهل الكتاب.

    وقد وردت أحاديث صحاح تحسب على ظاهرها كأن
    الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) يعرف ما يكون مثل ما ورد عن عدي بن حاتم قال: بينما
    أنا عند رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه
    آخر فشكا إليه قطع السبيل: فقال: "يا عدي هل رأيت الحيرة؟" قلت: لم أرها، وقد أنبئت
    عنها. فقال: "إن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا
    تخاف أحداً إلا الله". قلت في نفسي: فأين دعّار طيء الذين سعروا في البلاد؟؟ "ولئن
    طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى" قلت: كسرى بن هرمز؟؟ قال: "كسرى بن
    هرمز!!".

    قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى
    تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله. وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن
    هرمز.

    والحق أن هذه الأحاديث وأشباهها لم تكن
    إخباراً بغيب، إنما كانت تصديقاً لوعد الله بأن المستقبل للإسلام، وبأن هذا الدين
    سيسود المشارق والمغارب، فكانت تفسيراً من رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) لقول
    الله في كتابه:

    {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
    لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}.

    {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
    الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ
    مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
    وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.

    وقريب من ذلك الأحاديث المنبئة عن
    الفتن.

    إن الرجل الخبير بالأسواق لا يلبث -بعد
    استعراض يسير لأحوالها- حتى يصدر حكماً صائباً عليها، والخبير بطوايا النفوس يستطيع
    من نظرة خاطفة أن يستشف ما وراءها ويستكشف خباياها، ومن ذلك قول
    الشاعر:

    والألمعيّ الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد
    سمعا

    وكان محمد عليه الصلاة والسلام خبيراً
    بالنفوس ومعادنها، والدنيا وأطوارها، والزمان وتقلبه، والأديان الأولى وما عانت
    وعانى رجالها وهم يشقون طريقهم في الحياة، وعقول الأنبياء من ورائها فِطَرٌ مجلوة،
    وإلهام لماح، فكيف بشيخ الأنبياء الذي تعهده القدر من نشأته ليحمل رسالة معجزتُها
    في أسلوبها وأسلوبها يقوم على ترقية الفطر وتفتيق الألباب!!

    إن هذا يجعله أشد الناس تقديراً للواقع
    وانتظاراً لما يَفِدُ به، هل يستطيع السائر في مناطق الشمال أن يقدر خلوّ الجوّ من
    الضباب الداكن، أو هل يستطيع السائر في مناطق خط الاستواء ألا يتوقع عواصف القيظ!
    فكيف يليق بصاحب دين خطير أن يتناسى الفتن العارضة لتعاليم دينه ولرجاله، ما قرب
    منها وما بعد، ما ظهر منها وما بطن..

    لذلك كثر كلام الرسول عن الفتن، وليس القصد
    الإخبار عنها، بل التحذير منها. تحدَّث عن الفتن التي تلحق الأشخاص من اختلاف
    أفكارهم وتنافر أمزجتهم..وتحدَّث عن الفتن التي تصيب القلوب من إقبال الدنيا
    والتحاسد عليها.. وتحدَّث عن الفتن التي تصيب الأمة بعد أن يثوب الكفر من هول
    الهزائم التي مني بها. ويتماسك مرة أخرى بعدما انحلت عراه. فكان أن خوّف أصحابه من
    ذلك كله في أحاديث يطول سردها.

    وأخطر هذه الفتن ما يصيب تعاليم الإسلام
    نفسها من ذبول واضمحلال:

    فالصلاة تفقد روحها، وهو الخشوع، ثم يتآكل
    جسمها فتتحول نقراً سخيفاً.

    والجهاد يفقد روحه، وهو الإخلاص، ثم يتحول
    انتهاباً للغنائم واستعباداً للأحرار. ثم تفتر حدته، ثم يبطل...

    والصيام ينتهي من صبر على الحرمان وتأديب
    الغرائز المتطلعة إلى استعداد للولائم ومضاعفة للنفقة...

    والحكم يتطور من خدمة الجمهور برضاه إلى
    تأله عليه عن بغي واستكراه، ثم يسقط ويضيع الحاكم والمحكوم
    معاً.

    وحتى محبة المسلمين لرسولهم تتحول بعد موته
    إلى سوق حول قبره تضج بالصياح المنكر والهمهمة الحائرة.

    عندما زرت المدينة توجهت إلى قبر الرسول
    الجليل، وكانت المشاعر التي تنبعث من قلبي تطن في أذني، فلما تبيّنت لي معالم
    الضريح يممت شطره وأنا أتضاءل في نفسي. وكأني كرة تتدحرج تحت أقدام
    عملاق...

    وسلمت بالعبارة التي شرع الله، لم أزد عليها
    إلا بيتاً من الشعر لم أدر ما وراءه لما عراني من اضطراب غمغمت به شفتاي ولم تسمعه
    أذناي:

    يا خيــــر من دفنت في الترب أعظــــمه فطاب
    من طيبهن القـاع والأكم




    ثم انصرفت...
    بيد أنّي لاحظت أمواجاً تفد فتصرخ بكلام
    طويل. هذا يقرأ في كتاب، وهذا يسمع من حافظ، وهذا يشوش على ذلك، والكل يشوش على
    المصلين، وتتواكب هذه الوفود في هرج ومرج لا ينقطعان.

    ألم يكن الرسول (صلَّى الله عليه وسلم) يعني
    تلك الحال عندما قال: اللهم لا تجعل قبري بعدي وثناً يعبد؟....

    وما أن تعرفت أحوال العاكفين في المسجد
    والبادين. حتى كدت أدع الصلاة فيه، فإني أكره أشد الكراهية البدع والفوضى
    والجهل.

    وتذكرت قصة عروة بن الزبير لما بنى قصراً
    بوادي العقيق وابتعد عن المدينة ، فقال له الناس: قد

    جفوت مسجد رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)
    !!! فقال: إني رأيت مساجدكم لاهية، وأسواقكم لاغية، والفاحشة في فجاجكم عالية، وكان
    فيما هنالك عما أنتم فيه عافية. وقيل إنه لما عوتب في ذلك قال: وما بقي؟ إنما بقي
    شامت بنكبة، أو حاسد على نعمة!!.

    نسأل الله العفو
    والعافية.



      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 8:59 am