منتدى المركز الثقافي لبلدية بليمور

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى المركز الثقافي لبلدية بليمور

منتدى للابداع و الثقافة

مواضيع مماثلة

    المواضيع الأخيرة

    » كلمات × كلمات
    الأميرة والمرآة  I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 01, 2011 4:53 am من طرف foufou90

    » قـوآرب فـي بحــر الـحــيـــــآة
    الأميرة والمرآة  I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 01, 2011 4:02 am من طرف foufou90

    » برنامج تحويل الفلاش الي رام روعه
    الأميرة والمرآة  I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 7:56 pm من طرف Admin

    » برنامج فك باسورد اي ملف مضغوط روعه
    الأميرة والمرآة  I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 7:54 pm من طرف Admin

    » هل تعلم أسرار عالم النوم
    الأميرة والمرآة  I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 2:07 pm من طرف Admin

    » أروع مــا قيــل فـى الغــزل
    الأميرة والمرآة  I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 1:58 pm من طرف Admin

    » عشرون نصيحة للطلاب في الاختبارات
    الأميرة والمرآة  I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 3:00 am من طرف foufou90

    » موضوع عن الرياء كلمة عن الرياء
    الأميرة والمرآة  I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 2:55 am من طرف foufou90

    » حقائق ستنصدم بأنها مُجرّد خرافات
    الأميرة والمرآة  I_icon_minitimeالخميس يونيو 16, 2011 2:45 am من طرف foufou90

    التبادل الاعلاني

    احداث منتدى مجاني

      الأميرة والمرآة

      avatar
      Admin
      Admin


      عدد المساهمات : 453
      نقاط : 26727
      تاريخ التسجيل : 09/04/2011
      الموقع : بلدية بليمور

      الأميرة والمرآة  Empty الأميرة والمرآة

      مُساهمة  Admin الأحد مايو 08, 2011 3:59 pm

      الأميرة والمرآة







      - قــصص للأطفــــال -







      من منشورات اتحاد الكتاب العرب

      1999

      النقطـــة الصغـــيرة


      سامرٌ تلميذ صغير، في الصفِّ الأوَّل..

      يقرأ جيِّداً، ويكتبُ جيّداً.. لولا النقطة!

      يراها صغيرة، ليس لها فائدة.

      فلا يهتمُّ بها، عندما يكتب

      وينساها كثيراً، فتنقص درجته في الإملاء

      يعجبُ سامر، ولا يعرف السبب!

      يأخذ دفتره، ويسأل المعلِّمة:

      أين أخطأت؟!

      فتبتسم المعلِّمةُ، وتمدُّ إصبعها، وتقول:

      -هذه الغين.. لم تضع لها نقطة

      وهذه الخاء.. لم تضع لها نقطة

      وهذه، وهذه..

      يزعل سامر، ويقول:

      -من أجل نقطة صغيرة، تنقصين الدرجة؟!

      -النقطة الصغيرة، لها فائدة كبيرة

      -كيف؟!

      -هل تعرف الحروف؟

      -أعرفها جيداً

      قالت المعلِّمة:

      -اكتب لنا: حاءً وخاء

      كتب سامر على السبّورة: ح خ

      قالت المعلِّمة:

      ما الفرق بين الحاء والخاء؟

      تأمّل سامرٌ الحرفين، ثم قال:

      -الخاء لها نقطة، والحاء ليس لها نقطة

      قالت المعلّمة:

      -اكتبْ حرفَ العين، وحرف الغين

      كتب سامر على السبورة: ع غ

      -ما الفرق بينهما؟

      -الغين لها نقطة، والعين بلا نقطة

      قالت المعلّمة:

      -هل فهمْتَ الآن قيمَةَ النقطة؟

      ظلَّ سامر صامتاً، فقالت له المعلّمة:

      -اقرأ ما كتبْتُ لكم على السبورة

      أخذ سامر يقرأ:

      ماما تغسل

      ركض الخروف أمام خالي

      وضعَتْ رباب الخبزَ في الصحن

      قالت المعلِّمة:

      اخرجي يا ندى، واقرئي ما كتب سامر

      أمسكَتْ ندى، دفترَ سامر، وبدأَتْ تقرأ، بصوت مرتفع:

      ماما تعسل

      ركض الحروفُ أمام حالي

      وضعَتْ ربابُ الحبرَ في الصحن

      ضحك التلاميذ، وضحك سامر

      هدأ التلاميذ جميعاً، وظلّ سامر يضحك..

      قالت المعلِّمة:

      -هل تنسى النقطة بعد الآن؟

      قال سامر:

      -كيف أنساها، وقد جعلَتِ الخبزَ حبراً،

      والخروفَ حروفاً!

      l l







      الــــذئب والكــــلاب


      كانتِ الأغنامُ، تسومُ في المرعى، وادعة آمنة، لا تخاف من الذئاب، إذْ كان يحرسها، ثلاثةٌ من الكلاب..

      وكان الراعي الطيِّب، يجلس في ظلّ ظليل، تحت شجرةٍ وارفة، يعزف ألحاناً شجيّةً، تهفو لها الأغصان، وتهيمُ بها الأنسام..

      وفي هذه الأثناء، كان ذئبٌ مخاتل، يرصدُ الأغنامَ خلسة"، ويلتفت إلى الكلاب، فلا يجرؤ على الاقتراب..

      وفجأة..

      أبصرَ الكلابَ تقتتل، وقد انشغل بعضها ببعض..

      ضحك الذئبُ مسروراً، وقال في نفسه:

      -الآن أمكنَتْني الفرصة!

      واقترب الذئبُ من القطيع، فشاهد نعجة قاصية، فوثبَ عليها سريعاً، وأنشبَ أنيابه فيها..

      أخذتِ النعجةُ، تثغو وتستغيث..

      سمع الكلابُ، الثغاءَ الأليم، فكفّوا عن القتال، وتركوا الخصامَ والخلاف، وانطلقوا جميعاً إلى الذئب، وحينما رآهم مقبلين، طار فؤاده ذعراً، فأفلَتَ النعجة، وانسلَّ هارباً، لا يلوي على شيء..



      ÛÛ







      عــــطاء الســـــماء


      وقف الفلاحُ، على طرف حقله، يرنو إلى سنابل القمح، وهي تميلُ وتلمع، كأمواجٍ من ذهب، فانتشى إعجاباً بنفسه، وقال:

      -لولا كفّايَ الخشنتان، لما كان هذا القمح الوافر!

      فابتسمتِ السماءُ في العلاءِ..

      قالت إحدى السنابل:

      -نحن أَوْلى بالفضل، كنّا حبوباً يابسة، مدفونة في التراب، فامتصصْنا الغذاء، وشقفْنا التراب، وصرنا ننمو، شيئاً فشيئاً، حتى كبرنا، وأنبتَتْ كلُّ حبّةٍ، سنبلةً فيها مئةُ حبة!

      وابتسمتِ السماءُ في العلاء..

      قالت الأرض:

      -أنا صاحبة الفضل، احتضنْتُ البذورَ صغيرةً، وأرضعتها حتى صارت كبيرة، فلولا ترابي، لما نبتَ قمحٌ، ولا شبع فلاّح!

      وابتسمتِ السماءُ في العلاء.

      وجاءتِ السنةُ التالية، شديدة مجدبة، فانقطع المطر، واشتدَّ الحرُّ، وانتشر الجفاف.. حزنتِ الأرضُ القاحلة، ويبسَتْ شفاهها الظامئة..

      حزنتِ البذور، في ظلمة التراب، وخافت أنْ تموت أحلامها، ولا ترى النور.

      حزن الفلاحُ على جهده الضائع، وأشفق على عيالهِ البائسين.

      وحزنتِ السماءُ الرحيمة على الجميع، فأرسَلتْ إلى الأرض، سحباً سخيّةً، تحمل الأمطار والأفراح..



      c c







      البحــــر


      سارتِ السحابةُ، مثقلةً بالمياه..

      وقفَتْ فوق البحر، وسكبَتْ قطرَها الغزير..

      فرح البحرُ، واحتضن القطرات

      فرحتِ القطراتُ، وعانقتِ البحر

      قال البحرِ:

      -ما أحلى اللقاء!

      قالت القطرات:

      -ما أمرَّ الفراق!

      قالتِ السحابة للبحر:

      -منحتكَ مائي، لتعرفَ فضلي

      -لا تمنِّي عليّ بفضلك .

      -أتأخذُ مائي، وتنكرُ فضلي؟!

      -ماؤكِ منّي .

      -لا يصدّقُ ادّعاءَكَ أحد

      -اسألي قطراتكِ

      قالت القطرات بصوت واحد:

      -البحر وطننا.. منه خرجنا، وإليه نعود

      صمتتِ السحابةُ من الحياء، وانسحبَتْ مبتعدةً في السماء..



      h







      الصخـــرة


      كــان بيتنا على حدود القرية، قريباً من سفح الجبل.. لم نعرف بيتاً غيره، فأحسسنا بالغربة والملل.. ذات يوم.. عاد والدي من المدرسة، فسألته:

      -لماذا لا يزورنا أهلُ القريةِ ونزورهم؟

      قال أبي:

      -لأنهم بخلاء.

      وقالت أُمِّي:

      -لأننا غرباء .

      -عند المساء، قال والدي:

      -هيّا نذهبْ إلى الجبل .

      خرجنا نطير فرحاً:

      تسلّقنا الصخور العالية.. قطفْنا الأزهار الجبلية.. نال منا التعب..

      شاهد والدي، صخرة كبيرة، يغمرها الظلُّ، فقال لنا:

      -هذا أفضلُ مكانٍ نستريحُ فيه .

      قعدْنا على الصخرة الملساء، نشرب الشاي مسرورين..

      -لم نهجر الصخرة بعد ذلك..

      كنا نزورها كلّ يوم .

      نأخذ طعامنا، ونأكله فوقها .

      نلعب حولها، ونبني بيوتاً صغيرة.

      نقبع عليها صامتين، ونسمع من أُمّنا الحكايات.

      ثم نتركها في الليل، لنأتيها في النهار .

      -في آخر العام الدراسي..

      ذهبنا إلى الصخرة، وقعدْنا كلُّنا عليها..

      التقط لنا والدي عدّة صور، وقال:

      -هذا آخرُ يومٍ ترون فيه الصخرة .

      -لماذا يا أبي؟

      -سننتقل إلى قرية بعيدة .

      مكثْتُ واجمة صامتة، لم ألعبْ ولم أفرح..

      وحينما نهض أهلي، ليرجعوا إلى البيت، أخرجْتُ من جيبي، قطعة من الطباشير، وكتبْتُ على الصخرة:

      -وداعاً يا صخرتنا الحبيبة!

      -في الصباح الباكر..

      أحضر والدي سيّارة، حملنا عليها متاعنا، ثم ركبنا فيها، وسارت بنا، تُبعدُنا شيئاً فشيئاً.. وعندما بلغنا أعلى الجبل، التفتُّ نحو الصخرة وبكيت..

      nn




      النهـــر الصغـــير


      كــان النهرُ الصغير، يجري ضاحكاً مسروراً، يزرع في خطواته الخصبَ، ويحمل في راحتيه العطاء.. يركض بين الأعشاب، ويشدو بأغانيه الرِّطاب، فتتناثر حوله فرحاً أخضر..

      يسقي الأزهار الذابلة، فتضيء ثغورها باسمة. ويروي الأشجار الظامئة، فترقص أغصانها حبوراً ويعانق الأرض الميتة، فتعود إليها الحياة.

      ويواصل النهر الكريم، رحلةَ الفرحِ والعطاء، لا يمنُّ على أحد، ولا ينتظر جزاء..

      وكان على جانبه، صخرة صلبة، قاسية القلب، فاغتاظت من كثرة جوده، وخاطبته مؤنّبة:

      -لماذا تهدرُ مياهَكَ عبثاً؟!

      -أنا لا أهدر مياهي عبثاً، بل أبعث الحياة والفرح، في الأرض والشجر، و..

      -وماذا تجني من ذلك؟!

      -أجني سعادة كبيرة، عندما أنفع الآخرين

      -لا أرى في ذلك أيِّ سعادة!

      -لو أعطيْتِ مرّة، لعرفْتِ لذّةَ العطاء .

      قالت الصخرة:

      -احتفظْ بمياهك، فهي قليلة، وتنقص باستمرار.

      -وما نفع مياهي، إذا حبستها على نفسي، وحرمْتُ غيري؟!

      -حياتكَ في مياهكَ، وإذا نفدَتْ تموت .

      قال النهر:

      -في موتي، حياةٌ لغيري .

      -لا أعلمُ أحداً يموتُ ليحيا غيره!

      -الإنسانُ يموتُ شهيداً، ليحيا أبناء وطنه.

      قالت الصخرة ساخرة:

      -سأُسمّيكَ بعد موتكُ، النهر الشهيد!

      -هذا الاسم، شرف عظيم.

      لم تجدِ الصخرةُ فائدة في الحوار، فأمسكَتْ عن الكلام.

      **

      اشتدَّتْ حرارةُ الصيف، واشتدّ ظمأُ الأرض والشجر والورد، و..

      ازداد النهر عطاء، فأخذَتْ مياهه، تنقص وتغيض، يوماً بعد يوم، حتى لم يبقَ في قعره، سوى قدرٍ يسير، لا يقوى على المسير..

      صار النهر عاجزاً عن العطاء، فانتابه حزن كبير، ونضب في قلبه الفرح، ويبس على شفتيه الغناء.. وبعد بضعة أيام، جفَّ النهر الصغير، فنظرَتْ إليه الصخرةُ، وقالت:

      -لقد متَّ أيها النهر، ولم تسمع لي نصيحة!

      قالت الأرض:

      -النهر لم يمتْ، مياهُهُ مخزونة في صدري.

      وقالت الأشجار:

      -النهر لم يمتْ، مياهه تجري في عروقي

      وقالت الورود:

      -النهر لم يمت، مياهه ممزوجة بعطري.

      قالت الصخرة مدهوشة:

      لقد ظلَّ النهرُ الشهيدُ حياً، في قلوب الذين منحهم الحياة!

      ***

      وأقبل الشتاء، كثيرَ السيولِ، غزيرَ الأمطار، فامتلأ النهرُ الصغير بالمياه، وعادت إليه الحياة، وعادت رحلةُ الفرح والعطاء، فانطلق النهر الكريم، ضاحكاً مسروراً، يحمل في قلبه الحب، وفي راحتيه العطاء..



      mm








      القلـــم والممحــاة


      كان داخل المقلمة، ممحاة صغيرة، وقلمُ رصاصٍ جميل..

      قال الممحاة:

      -كيف حالكَ يا صديقي؟

      -لستُ صديقكِ!

      -لماذا؟

      -لأنني أكرهكِ.

      -ولمَ تكرهني؟

      قال القلم:

      -لأنكِ تمحين ما أكتب.

      -أنا لا أمحو إلا الأخطاء .

      -وما شأنكِ أنتِ؟!

      -أنا ممحاة، وهذا عملي .

      -هذا ليس عملاً!

      -عملي نافع، مثل عملكَ .

      -أنتِ مخطئة ومغرورة .

      -لماذا؟

      -لأنّ مَنْ يكتبُ أفضلُ ممّنْ يمحو

      قالت الممحاة:

      -إزالةُ الخطأ تعادلُ كتابةَ الصواب .

      أطرق القلم لحظة، ثم رفع رأسه، وقال:

      -صدقْتِ يا عزيزتي!

      -أما زلتَ تكرهني؟

      -لن أكره مَنْ يمحو أخطائي

      -وأنا لن أمحوَ ما كان صواباً .

      قال القلم:

      -ولكنني أراكِ تصغرين يوماً بعد يوم!

      -لأنني أضحّي بشيءٍ من جسمي كلّما محوْتُ خطأ .

      قال القلم محزوناً:

      -وأنا أحسُّ أنني أقصرُ مما كنت!

      قالت الممحاة تواسيه:

      -لا نستطيع إفادةَ الآخرين، إلا إذا قدّمنا تضحية من أجلهم.

      قال القلم مسروراً:

      -ما أعظمكِ يا صديقتي، وما أجمل كلامك!

      فرحتِ الممحاة، وفرح القلم، وعاشا صديقين حميمين، لا يفترقانِ ولا يختلفان.. q







      الصَّبي الصهـــيوني


      اشتريْتُ كرةٌ جميلة، ورجعْتُ إلى البيت فرحاً..

      أفلتتِ الكرةُ من يدي، فالتقطها صبيًّ صهيوني.

      قلت له:

      -أعطني كرتي.

      قال:

      -لن تأخذَ شيئاً.

      قلت له:

      -لا يجوز أنْ تأخذَ حقَّ غيرك!

      ضحكَ ساخراً..

      -سيغضبُ والدي، إذا فقدْتُ كرتي.

      ضحك ساخراً..

      سأشكوكَ إلى والدك!

      ضحكَ ساخراً..

      -سأفضحكَ بين الأولاد!

      ضحك ساخراً..

      شرعْتُ أبكي، وأذرفُ الدموع، ليرقَّ قلبُهُ، ويعطيني كرتي، ولكنَّهُ لم يفعل، بل صار يضحك أكثر.. امتلأ صدري غضباً.. مسحْتُ دموعي، وأطبقْتُ كفّي بشدّة، وضربْتُهُ على فكّهِ، فانطرح أرضاً، وانفجر يبكي.. أخذْتُ كرتي، ومضيْتُ إلى البيت، وقلبي مملوء بالإباء العربي!

      E E




      المطــــر


      في حديقةِ القصر الكبير، قعد الثريُّ الأكرشُ، على مقعد وثير.. وضع كلبه بين ساقيه، وأخذ يسرّحُ له شعره، ويرشفُ القهوةَ مسروراً..

      ونزل المطرُ غزيراً..

      تلبّد شعرُ الكلب، وابتلّتْ ثيابُ الغني، فجعل يصرخ مغتاظاً:

      -قفْ أيُّها المطرُ اللعين!

      ولكنَّ المطرَ لم يقف..

      وظلّتْ قطراته الضاحكة، ترقص على الأرض.. والأرضُ تضمُّها إلى صدرها، كأنها أُمٌّ رؤوم، فقد مضى زمنٌ طويل، والمطر لم يهطل.

      وحزنتِ الأرضُ المعطاء، لأنها لا تقدرُ على العطاء. لقد نضبَ ماؤها، وجفَّ ترابها ، وكثرتْ أخاديدها، وصارتِ الأرض، شفاهاً ظامئة، ترتقب المطر. ولكنّ المطر لم يهطل.

      والعشب لم ينبت

      وجاعت الأغنام، وجفّتِ الضروع.

      وطلب الأطفالُ الحليب، وليس من مجيب.

      وأصابَ الهزالُ الحملان، وأصبح الموتُ يفترسها، فيرمقها الرعاةُ بأبصارهم، ولا يدرون ماذا يفعلون.

      فالمطرُ لم يهطل!

      والعشبُ لم ينبت!

      وذهب الفلاحون إلى الحقول..

      وقفوا على أطرافها، يتأمّلونها محزونين..

      فالمطر لم يهطل!

      والزرع لم ينبت!

      والتعبُ قد يضيع، والبذارُ قد يموت.

      ويبقى العيالُ، بغير غذاء.

      ماذا يعملون؟!

      اتجهوا إلى السماء، ورفعوا الكفوفَ والأبصار، يدعون بخشوع، ليهطل المطر..

      وانتثر المطر، كأنّهُ الدُّرَر..

      واهتزّتِ الأرضُ، للخصب والثمر.

      وأمطر الفرح..

      ورقص الرعاة، وابتلّوا بالمطر .

      يا فرحةَ الفلاح، يا فرحةَ الشجر .

      يا فرحةَ التراب، يعانق المطر .

      وانتصب الثريُّ، في شرفة قصره، كأنه تمثال من حجر، يسائل نفسه مدهوشاً:

      -لماذا يهطل المطر؟!



      SSS







      الصخــــور


      كنت أنا وصديقي أسامة، نطوف في أرجاء كَرْمنا الحبيب، تداعبُ وجوهَنا الأنسامُ وترقص أمامنا الظلالُ، وتغمزنا الشمسُ من خلال الغصون.. كنا نسير فرحين، نحني ظهورنا تحت عناقيد العنب المتدلّية، ونشقُّ طريقنا بين الأغصان المثقلة بالثمار..

      وصلْنا إلى آخر الكرم، وقعدْنا في الظلّ، عند الحجارة المرصوفة، نستعيدُ ذكرياتٍ قديمة.. هذه الحجارة المكسورة، كانت -فيما مضى- صخوراً كبيرة، تربضُ على صدر أرضٍ بائرة، فتكتمُ أنفاسها، وتحجبُ كنوزها، فعاشتِ الأرضُ في حزنٍ دائم، وهمٍّ مقيم، لأنها تملكُ الخير، وتعجز عن العطاء!

      وعندما اشترى والدي الأرضَ، وشرعَ يعالجُ صخورها، بالمعول والمطرقة والعَتَلَة، و.. سخرَتْ منه الصخورُ الصلبة، وقالت في نفسها: -يا للعجب. رجل ضعيف نحيف، يبتغي قهر الصخور! انهمك والدي في العمل، ودارَتْ رحى الحرب، بينه وبين الصخور.. وكان وحيداً في المعركة، يقاوم صخوراً كثيرة، تحتلُّ أرضه، وتأبى الرحيل.. ثبتَ والدي في المعركة، وبذلَ العرقَ والدمِ.

      الشمسُ تكويه بحرارتها، والصخورُ تجرحه بشظاياها، وهو ماضٍ فيما عزم، لا يضعفُ ولا يتراجع.. انكسرتِ الصخورُ، ولم تنكسرْ عزيمته.

      في تلك الأيام، كنتُ أزورُ والدي، كلّما انصرفْتُ من المدرسة، حاملاً إليه طعاماً، لا يأكله إلا الفقراء، وذات مرة، نظرْتُ إلى والدي، وهو يأكلُ الخبزَ الأسمرَ، والبصل، وقلت له محزوناً:

      -لماذا نحن فقراء؟!

      مدّ والدي يده، ومسح بكفّهِ على رأسي، وقال:

      -سأطردُ الفقرَ عنكم يا بني!

      -بأيّ شيء ستطرده؟

      -بيديّ هاتين

      -متى؟

      -عندما أُخرجُ كنوزَ الأرض.

      قلت بائساً:

      -أرضنا لا تحوي كنوزاً بل صخوراً!

      قال والدي باسماً:

      -الكنوز مدفونة تحت الصخور.

      في أحد تلك الأيام، صحبْتُ صديقي أسامة، وذهبنا إلى والدي، وحينما اقتربنا منه، سلَّمنا عليه، فرفع رأسه، ورحَّبَ بنا مسروراً، وقطراتُ العرق، تلمعُ على جبينه، مثل حبّاتِ اللؤلؤ..

      لقد كان يعمل في أرضٍ بلا ظلّ!

      مسح عرقه بكمّهِ، وألقى المعول من يده، وقال:

      -لِنسترحْ قليلاً.. لم يبق سوى هذه الصخرة.

      سأله صديقي:

      -ماذا ستفعل بها؟

      -سأحطّمُ رأسها العنيد، كالصخور الأخرى.

      -هل حطمْتَ صخوراً غيرها؟

      ضحك والدي، وقال له:

      -انظر إلى تخوم الأرض.

      نظر أسامة إلى حيث أشار والدي، فشاهد سياجاً كبيراً، من حجارة مكسورة..

      فتح عينيه مدهوشاً، وقال:

      -هل كانت هذه الحجارة كلُّها في الأرض؟!

      -كانتِ الأرضُ مغروسة بالصخور، ولكنّهُ غرسٌ لا يثمر! ونهض والدي إلى الصخرة، يأتيها من هنا، ويأتيها من هناك، تارة يحفر تحتها بالمعول، وتارة ينهال عليها بالمطرقة، فيتطايرُ الشررُ منها، وتنكسر أطرافها، ويصغر رأسها الكبير، شيئاً فشيئاً..

      وبعد جهد جاهد، اقتلع والدي رأسَ الصخرة، وجعل يدفعه بيديه، ويدحرجه نحو طرف الأرض، فبادرْتُ أنا وصديقي إلى مساعدته، وأخذْنا ننقل حطامَ الصخرة..

      وحينما فرغنا من العمل، وقف والدي مرفوع الهامة، يرنو إلى أرضه الحبيبة،
      مزهواً بانتصاره العظيم.

      كانت عيناه تومضانِ سروراً، وعرقه يومض فرحاً. لقد تحرّرتِ الأرض، واندحرَتِ الصخور..

      امتلأْتُ إعجاباً بوالدي، فقد كان أقوى من الصخر، وبعد ذلك.. حرث والدي الأرض، وحفر فيها حفراً كثيرة، أودعَ فيها غراساً صغيرة، وأصبح يعتني بها ويرعاها، فصارتِ الغراسُ تنمو وتترعرع، وبعد بضعة سنين، ازدانت أرضنا بالأشجار، وبدأتْ تجود بالثمار، فأخذْنا نملأ منها السّلالَ الكبيرة، ونبيعها في المدينة، ونشتري بثمنها ما نحتاج ونريد.. لقد وفى والدي بوعده، فاستخرج كنوز الأرض، وطرد الفقر بيديه، و..

      تعالى صوت والدي، يدعونا إليه..

      أسرعْتُ أنا وصديقي، وجلسنا معه، في ظلٍّ ظليل، نأكل مما قطف لنا، من ثمار حلوة يانعة..

      قلت مسروراً:

      -ما أطيبَ ثمارَ العنبِ والتين!

      نظر أسامة، إلى كفِّ والدي الخشنة، وقال:

      -ما أطيبَ ثمارَ العمل!

      قال والدي:

      -لولا العمل، لظلّتْ هذه الثمار مدفونة تحت الصخور!



      |||







      الأمـــــيرة والــمرآة


      كان في قديم الزمان، أميرةٌ شريرة، قبيحةُ المنْظر، خبيثة المَخْبر، تكرهُ الناسَ وتنهرهم، وتسخر منهم وتحقرهم، فكرهها كلُّ مَنْ عرفها، وخافها خدمها وحشمها، بسبب عجرفتها، وسوء خلقها.. وكان لها أعوانٌ وعيون، يخالطون الناسَ متنكّرين، ثم يرجعون إليها، بأخبارهم وأسرارهم، وحينما تسمع ما يتناقلونه عنها، يلتهبُ قلبها حقداً، ويتطاير غيظها شرراً، فلا يجرؤ أحدٌ، على الاقتراب منها، أو النظر إلى وجهها..

      وفي إحدى الأمسيات، كانت جالسة، في شرفة قصرها، ومرآتها في حجرها، فنادَتْ وصيفاتها، فهرعْنَ إليها مذعوراتٍ، ومثلْنَ بين يديها مطرقات، ينتظرْنَ عقاباً أو توبيخاً.

      شرعَتِ الأميرةُ المغرورة، ترنو إليهن بازدراء، ثم شمختْ بأنفها، وقالت:

      -أصحيحٌ ما يقوله عنّي الناس؟

      -ماذا يقولون؟

      -يقولون: أنف الأميرة كبير، لكثرةِ ما تشمخ به!

      -الأنف الكبير، لا يعيبُ صاحبه.

      غضبَتِ الأميرةُ، ورفعَتْ سوطها، تلوِّحُ به مهدِّدةً. وتقول:

      -أتوافقْنَ الناسَ، على ما يقولون؟!

      رمقَتِ الوصيفاتُ السوطَ. وقلْنَ في نفوسهن:

      -حسِّني أخلاقكِ، وليكنْ شكلكِ ما يكون.

      قالت الأميرة حانقة:

      -ما لكنَّ ساكتات؟!

      -أنفكِ صغيرٌ يا سيّدتي!

      -لا تكذبْنَ!

      -اسألي المرآة، فهي لا تكذب.

      تناولَتِ الأميرةُ المرآة، وشرعَتْ تحملقُ إلى أنفها، فقالت لها المرآة:

      -أنفكِ كبيرٌ، لكثرة ما تشخمين به.

      اغتاظتِ الأميرةُ، وأظلمَ وجهها، فقلبَتِ المرآة، وصمتَتْ واجمة، ثم رفعَتْ رأسها، وقالت:

      -ويزعم الناسُ أنّ لساني سليط، وطويل كالسوط!

      -إنهم يكذبون!

      -وكيف أعرف الحقيقة؟

      - اسألي المرآة، تعرفي الحقيقة.

      رفعتِ الأميرة مرآتها، وقرّبَتْها من وجهها، ثم دلعَتْ لسانها، وجعلَتْ تنظر إليه..

      قالت لها المرآة:

      -لسانكِ سليط، وطويل كالسوط.

      أرجعتِ الأميرةُ لسانها، وقالت وهي تتميَّزُ غيظاً:

      -ويزعم الناسُ أنني شبْتُ وكبرت!

      -ما زلتِ صبيّةً يا سيّدتي!

      -قلْنَ الحقيقة، ولا تخفْنَ

      -المرآة تقول لكِ الحقيقة.

      رفعتِ الأميرةُ المرآة، وصارت تتأمَّلُ وجهها وشعرها.. لم تخفِ المرآةُ منها، بل قالت لها:

      -وجهكِ أعجف، وشعركِ أشيب.

      غضبتِ الأميرةُ على المرآة، وضربَتْ بها الأرض، فتكسّرتْ وتبعثرَتْ..

      وقامتِ الأميرةُ مسرعة، ودخلَتْ قصرها، وهي تصرخ:

      -المرآة كاذبة، المرآة كاذبة!

      انحنَتْ إحدى الوصيفات، وأخذتْ تجمع أشلاءَ المرآة، وحينما فرغَتْ من جمعها، نظرَتْ إليها محزونه، وقالت:

      -لقد ماتتِ المرآةُ، ولم تقلْ إلاّ الحقيقة!



      ~~~











      الأقــــوال والأفعـــال


      كان جماعةٌ من الأصدقاء، يتنزّهون في الحقول.. شاهدوا ناراً تشتعل، قرب شجرة كبيرة. وقفوا جميعاً، ينظرون إليها..

      قال إياد:

      -يجب أنّ نطفئ هذه النار .

      وقال باسم:

      -إطفاؤها عملٌ نافع .

      وقال ماهر:

      -صدقْتَ، فالنار تلوّثُ الهواء .

      وقال أحمد:

      -ودخانها يؤذي النبات.

      وقال سامر:

      -ويؤذي الإنسان والحيوان .

      وقال عامر:

      -إذا لم نطفئها، فستحرق الأشجار .

      وقال خالد:

      -وقد تصل إلى حقول القمح .

      وقال نضال:

      -وإذا حرقتِ المحصولَ، ضاع تعبُ الفلاحين. وحينما كان الأصدقاء، يقولون، ويقولون.. مرَّ فلاحٌ شاب، ورأى النار، فهرع إليها مسرعاً، وألقى عليها التراب، فاختفَتْ ألسنتها الطويلة، ولم يبقَ سوى أنفاسها السوداء، تنفذ من بين التراب، فداسها الشابُّ بقدمه، وتابعَ سيره،
      ولم يفتح فمه.. نظر الأصدقاءُ إليه معجبين، وحينما غاب من أنظارهم، أطرقوا رؤوسهم صامتين..







      البيت المتــين


      أقبل الشتاءُ، فاسودّتِ السماءُ، وهاجتِ الرياح، فخاف الأرنبُ الصغير، وعزم أنْ يبني لنفسه بيتاً متيناً، يقيهِ شرّ العواصف.

      بدأَ ينقلُ الحجارةَ الصلبة، ويرصف بعضها فوق بعض.. وبعد أيام، أصبح البيتُ جاهزاً، ففرح الأرنب كثيراً، وأخذ يغنّي، ثم صار يرقص..

      سألَتْهُ الريحُ:

      -لماذا ترقص أيها الأرنبُ الصغير؟!

      -لأنّ بيتي قويٌّ، يتحدّى الريح.



      -وكيف عرفْتَ؟

      -لقد بنيته من أقسى الحجارة.

      ضحكتِ الريحُ من غروره، ونظرَتْ إلى البيت، ثم مدّتْ أصابعها الرقيقة، فدخلَتْ بين حجارته بسهولة.. قالت ساخرة:

      -حجارة بيتكَ قويّة!

      -طبعاً.. طبعاً.

      -ولكن لا يربط بينها شيء!

      -ماذا تعنين بقولكِ هذا؟

      -أعني أنَّ حجارته ليستْ متلاصقةً ولا متلاحمة.

      -هذا لا يهم.

      -أرى أنه سيتِهدَّمُ سريعاً.

      -فْلتختبري قوّتكِ!

      اغتاظتِ الريحُ، ودفعتِ البيتَ، فانهارَتْ حجارته..

      قال الأرنب مدهوشاً:

      -كيف هدمْتِهِ، وحجارته كالحديد؟!

      -الحجارة المتينة، لا تصنع -وحدها -بيتاً متيناً.

      نظر الأرنب بازدراء، إلى حجارة بيته المبعثرة المتفرقة، ثم خاطبها قائلاً:

      -لن تغرّني صلابتكِ بعد اليوم، فما أضعفكِ إذا لم تتماسكي!!



      ^^^







      وردتـــــــان


      كان في غرفة سلمى وردتان: إحداهما صناعيةٌ، في زهرّيةٍ أنيقة، والثانية وردة طبيعية، تغمرُ ساقها في ماءِ كأسٍ من زجاج..

      وجاءَتْ صديقاتُ سلمى لزيارتها، فأخذَتْ كلّ واحدةٍ منهنّ، ترفع الكأسَ، وتشمُّ الوردة، ثم تقول منتشية:

      -ما أجمل هذه الوردة، وما أطيبَ رائحتها!! وحينما انصرفتِ الزائراتُ، أصبحت الغرفة خالية، بينما ظلّتِ الوردةُ الصناعية، مملوءةً بالغيظ والحسد، لأنها لم تسمعْ كلمةَ مدح، ولم تلفتْ نظرَ أحد! ودخلَتْ نحلةٌ جميلة، من النافذة المفتوحة، فأرادتٍ الوردةُ الصناعية، أن تجذبها إليها، لتغيظَ الوردةَ الطبيعية، فشرعَتْ تنادي:

      تعالي إليّ أيتها النحلة

      لن تجدي مثل جمالي

      منظري رائع

      ألواني حمراء

      أوراقي ناعمة

      أعيش بلا غذاء

      وأحيا بلا ماء

      وأبقى ناضرة، لا أعرف الذبول.

      ظلّتِ الوردةُ الصناعية، تباهي بجمالها، وتفخر بنفسها، والوردة الطبيعية، تنفحُ العبيرَ صامتة، لا تنبس بكلمة.. وعلى الرغم من ذلك، طارتْ إليها النحلةُ، وعانقَتْها مسرورة، فغضبَتِ الوردةُ الصناعية، وخاطبتها مدهوشة:

      -ما الذي جذبكِ إلى تلك الوردة؟!

      -جذبني إليها عطرها وجمالها.

      -وكيف عرفتِ ذلك، ولم تسمعي منها كلمة واحدة؟!

      قالت النحلة:

      -الشيءُ الجميلُ لا يحتاج إلى دعاية وكلام.

      ***

      حينما ذبلتِ الوردةُ الطبيعية، شمتَتْ بها الوردةُ الصناعية، وقالت ساخرة:

      -أراكِ قد ذبلْتِ سريعاً!

      -إذا فارقْتُ أرضي، لا أعيش إلا قليلاً.

      -أمّا أنا فأعيش عمراً طويلاً.

      -طولُ العمر، لا يدعو إلى الفخر .

      -وبأيّ شيء نفخر؟

      -بما نعطيه للآخرين.

      -وماذا أعطيتْ في عمركِ القصير؟!

      -أعطيْتُ الرحيق والعطر، فهل أعطيتِ أنتِ شيئاً في عمركِ الطويل؟

      أطرقتِ الوردة الصناعية، تفكِّرُ فيما سمعَتْ، فأدركتْ صوابه، وحينما رفعَتْ رأسها، لتعتذر إلى الوردة الطبيعية، وجدَتْها قد ماتتْ، تاركةً من بعدها، رائحة عطرة لا تموت!



      @ @







      الـمجـــنون


      انصرفنا من المدرسة، وعدنا إلى بيوتنا فرحين.. كنا مجموعة من الأطفال، نتحادث ونضحك ونقفز. وفي الطريق، شاهدْنا مجنوناً، قصيرَ القامة، أسمرَ البشرة، أشعثَ الشعر، يرتدي ثوباً بالياً، يكشف عن صدره..

      تحلّقنا حوله، ننظر إليه بفضول، ونسخر من مظهره، بعبارات جارحة:

      -انظروا إلى لعابه كيف يسيل!

      -ما أبشعَ منظره!

      -إنه يسير حافياً!

      -ما أكرهَ رائحته!

      -أظنُّ أنه لم يغتسل في حياته!

      انفجرنا ضاحكين..

      وظلّ المجنونُ صامتاً، يرمقنا مدهوشاً.. أقبلْنا عليه، نغيظه ونؤذيه..

      نأتيه من بين يديه، ونأتيه من خلفه.. هذا يشدُّ شعرَهُ، وذاكَ ينتر ثوبه، وآخر يدفع ظهره، وهو يلتفت ذات اليمين، وذات الشمال، ولا يدري ماذا يفعل..

      لم نكتفِ بذلك، بل أخذْنا نقذفه بالحصى، فهرول وراءنا، يصرخ متألّماً..

      هرْبنا من وجهه، نركض أمامه، ونلتفت إليه.. وحينما وقف، عاودناهُ ثانية، فرماه طفلٌ، بحجر كبير، شجّ رأسَهُ، وأسال دمه، فقعد خائفاً، يمسح الجرح بكفّهِ، ويتأمّلُ يدَهُ الملطخة بالدماء، ثم يرفع بصره إلى السماء..

      كففنا عن إيذائه، ووقفنا نتأمّلُهُ صامتين..

      جاءتْ عجوزٌ، فقيرة طيّبة، وخاطبَتْنا معاتبة:

      -لماذا تضربونه يا أبنائي؟!

      -إنه مجنون!

      -ولكنّهُ إنسانٌ مثلكم، يأْلمُ كما تألمون.

      -ألا ترينَ شكَلهُ القبيح؟!

      -يا أبنائي.. الشكل القبيحُ لا يعيبُ صاحبه، وإنَّما فعله القبيح.

      نكسنا رؤوسنا خجلاً، ولم ننبس بكلمة واحدة.. وانحنتِ العجوز على المجنون، تمسح له وجهه وجرحه، ثم قبّلتْهُ بين عينيه، وسحبَتْهُ من يده، فمشى معها طائعاً، مثل حَمَلٍ وديع..

      تركْتُ رفاقي واجمين، وسرْتُ وراءها، لأكشفَ سرّها.. استدارَتْ نحوي، فرأيتُ في عينيها الدموع..

      قلت مستغرباً:

      -أتبكينَ على هذا المجنون؟!

      قالت بحنانٍ بالغ:

      -إنه ابني!

      -لا أكادُ أصدّقُ!

      لماذا؟

      -إنه.. مجنون!

      قالت العجوز:

      -وهل يولدُ المجنونُ بلا أمّ؟!

      قلت متعجباً:

      -لماذا لم تعاقبينا على ما فعلنا؟!

      -ولمَ العقابُ يا بني؟!. ما زلتم صغاراً.

      قلت نادماً حزيناً:

      -إنني أعتذر إليكِ، فهل تقبلين اعتذاري؟

      مدّتِ العجوزُ يدها، ومسحَتْ رأسي، براحتها الحانية، وقالت:

      -لا تحزنْ يا صغيري، إنني أعذركَ وأسامحك.

      ومضتِ الأمُّ الرؤوم، تسحب ابنها الحبيب إلى قلبها، وظللتُ واقفاً في مكاني، أرنو إليهما راحماً، وأقول في نفسي:

      -ما أكثرَ الدروسَ التي نأخذها خارج جدران المدرسة!



      nn







      لمــاذا بكــى مـــازن


      حلّ الظلام.. ترك مازنٌ اللعبَ، وعاد إلى البيت خائفاً، يفكّر بعذرٍ، يقدّمهُ لوالديه..

      قال فرحاً:

      -لن ينجيني إلا الكذب!

      وحينما دخل البيت، تطلّعَتْ إليه أنظارُ الأسرة، فقد كان الجميعُ ينتظرونه، بصبرٍ فارغ..

      قال الأب:

      -أين كنتَ يا مازن؟!

      -كنتُ عند صديقي، أكتبُ وظائفي.

      -ولكنني لا أرى معكَ دفاتر!

      خجل مازن، وقال:

      -كنت أزور جدّتي، فهي مريضة .

      -جدتك خرجَتْ من عندنا منذ قليل!

      ازداد مازن خجلاً، وقال متلعثماً:

      -كنت.. كنت.. خارج البيت!

      انفجر الجميع ضاحكين..

      وانفجر الكذّابُ باكياً!



      L L









      القــارب والبحــر


      كان القاربُ، يتهادى مختالاً، فوق البحر الواسع، وما لبث أنْ شمخ بأنفه، وقال:

      -ما أعظمني قارباً!

      أمتطي البحرَ الكبير، فينقلني حيثما أريد، ولا يعصي لي أمراً.

      قال البحر:





      -يسعدني أنْ تعترفَ بفضلي .

      -ليس لك أيّ فضلٍ، لأنكَ مسخَّرٌ لحملي.

      -أتقضي عمرَكَ على ظهري، وتنكرُ الآن فضلي؟!

      -اخفضْ صوتكَ، وأنتَ تحادثُ مَنْ فوقك.

      -أتزعمُ أنكَ فوقي، ولم يرفعْكَ غيري؟!

      -ما رفعني إلاّ منزلتي وقدري .

      قال البحر غاضباً:

      -إنك لمعجبٌ بنفسكَ، وما يكون لأحدٍ أنْ يتكبّرَ على ظهري





      قال القارب:

      -سأظلُّ على ظهركَ، شئْتَ أم أبيت.

      هاج البحرُ وثار، فصار موجُهُ كالجبال، وقذفَ القاربَ المغرور، فانطرح على اليابسة، مكسورَ الأضلاعِ، فاقدَ الإحساسِ..

      وحينما صحا من إغمائه، حاول أن يتحرّكَ، فلم يجدْ قدرة!

      أعادَ المِحاولةَ، ولكنْ دون فائدة..

      شعر أنّ حياته قد انتهتْ، وأصبح هيكلاً من أخشاب.

      قال نادماً:



      -لقد أهلكني الجحودُ والغرور .

      ونظر إلى البحر الأزرق، والأمواج الراكضة، فعاودَهُ الشوقُ والحنين، وقال محزوناً:

      -ما أعظمك أيها البحر!



      N N








      الديــك والفجـــــر


      استيقظ حمدانُ باكراً، فأمسكَ ديكَهُ الأحمر، وربط ساقيه جيداً، ثم ألقاهُ في السلّة، ومضى إلى المدينة..

      وقف حمدان، في سوق المدينة، والديكُ أمامه في السلَّة، ينتظر مَنْ يشتريه.. وكلّما مرَّ به رجلٌ، فحصَ الديكَ بناظريه، وجسّهُ بيديهِ، ثم يساومُ في الثمن، فلا يتفقُ مع حمدان، وينصرف مبتعداً..

      قال الديك في نفسه:

      -إذاً ستبيعني يا حمدان:

      وتململَ في السلّة، يحاولُ الخروجَ، فلم يقدر..

      قال غاضباً..

      -كيف يمدحون المدينةَ ولم أجدْ فيها إلاّ الأسر؟!

      وتذكّرَ القريةَ والحرية، فقال:

      -لن يصبرَ أهلُ قريتي على فراقي، فأنا أُوقظهم كلّ صباح، و..

      أقبل رجلٌ من قرية حمدان، فسلّم عليه، وقال:

      -ماذا تعمل هنا؟

      -أريدُ أنْ أبيعَ هذا الديك .

      -أنا أشتريه.

      اشترى الرجلُ، ديكَ حمدان، وعاد به إلى القرية..

      قال الديك مسروراً:

      -كنتُ أعرفُ أنّ القريةَ سترجعني، لأُطلعَ لها الفجر. وحينما دخل الرجلُ القريةَ، دهشَ الديكُ عجباً..

      لقد استيقظ الناسُ، وطلعَ الفجر!

      سأل الديك دجاجةً في الطريق:

      -كيف طلعَ الفجرُ، في هذا اليوم؟!

      -كما يطلعُ كلّ يوم

      -ولكنني كنتُ غائباً عنِ القرية!

      -في القرية مئاتُ الديوكِ غيرك .

      قال الديك خجلاً:

      -كنتُ أعتقدُ انّهُ لا يوجدُ غيري

      قالتِ الدجاجة:

      - هكذا يعتقد كلّ مغرور .

      وفي آخر الليل، خرج ديكُ حمدان، وأصغى منصتاً فسمع صياحَ الديوكِ، يتعالى من كلّ الأرجاء، فصفّقَ بجناحيهِ، ومدّ عنقه، وصاح عالياً، فاتّحدَ صوتُهُ بأصوات الديوك.. وبزغ الفجرُ الجميل..

      V V




      الــمــباراة


      أسامةُ تلميذٌ في الصفّ الرابع

      وأخته أسماءُ تلميذةً في الصفّ الثالث

      أسامةُ ذكيٌّ ومجتهد .

      أسماءُ ذكيّةٌ ومجتهدة .

      أسامةْ يحبُّ أخته، وينافسها في كلّ شيء.

      وأسماءَ تحبُّ أخاها، وتنافسه في كلِّ شيء .

      تارةً يتباريانِ في الإملاء

      وتارةً يتباريان في الرسم.

      وتارة يتباريانِ في التعبير .

      و..

      مرّةً يفوزُ أسامةُ، فتهنّئهُ أسماء .

      ومرّةً تفوزُ أسماءُ، فيهنّئها أسامة.

      وكانت أمُّهما المعلّمةُ، تعجبُ بهما، وتشجّعهما على هذا التنافس البريء..

      وفي هذا الصباح، استيقظ أفرادُ الأسرة ،

      وشرعوا يستعدّون للذهاب إلى المدرسة، فقالت أسماءُ لأخيها:

      -أنتَ بطيءٌ في ارتداءِ ثيابك، ولن أنتظركَ بعد اليوم .

      -أنا أسرعُ منكِ في ارتداء الثياب .

      -دائماً أنتهي قبلكَ وأنتظركَ.

      -أستطيعُ أن أثبتَ لكِ، أنني أسرعُ منك .

      -كيف؟!

      -نجري مباراةً في ارتداء لباسنا المدرسيّ.

      أعجبَ الاقتراحُ أسماءَ، فقالت متحمّسة:

      -أنا موافقة

      -ومَنِ الحكم؟

      وتحمّستِ الأُمُّ للمباراة، فنظرَتْ إلى ساعتها، ثم رفعتْ رأسها، وقالت:

      -أنا أحكمُ بينكما.

      جلبَتْ أسماءُ لباسها المدرسي .

      وجلبَ أسامةُ لباسه المدرسي .

      مدّ أسامةُ يدَهُ، وقبل أنْ يلمسَ ثيابه، قالتِ الأْمُّ:

      -أبعدْ يدَكَ، حتى أُعلنَ بدءَ المباراة .

      رفع أسامةُ يده، مطيعاً أَمرَ الحَكَمْ

      وقفَتْ أسماءُ، وأمامها لباسها .

      ووقفَ أسامةُ، وأمامه لباسه .

      أعلنتِ الأُمّ بَدْءَ المباراة، فسارعَ الاثنانِ إلى ثيابهما، يلبسانها بخفّةٍ ونشاط..

      وعندما لبس أسامةُ صدارة المدرسي، أدخل الزرّ الأوّلَ، في العروة الثانية، وتابع التزرير، حتى بلغ الزرّ الأخير، فلم يجدْ له عروة، ورأى صداره، طويلاً من جانب، قصيراً من الآخر!

      أدركَ خطأَهُ سريعاً، وأخذ يفكّ الأزرارَ، وعندما فرغ منها، بدأ يزرّها ثانية، ولكنه في هذه المرّة، تأكّدَ من صِحَّةِ البداية، فوصل إلى نهايةٍ صحيحة، ورأى طرفي الصدار متساويين.

      وحينما رفع رأسه، وجد أُمّهُ وأخته، تنظرانِ إليه وتبسمان..

      قالت أسماء:

      لقد خسرْتَ المباراة!

      قالت الأُمُّ:

      أخوكِ ربح درساً نافعاً.

      أيّ درسٍ تقصدين؟

      الدرس الذي تعلّمه من الزرِّ الأوَّل .

      أطرق الأخوانِ صامتين، يفكّرانِ في كلامِ الأُمّ، وعندما فهما ما تعنيه، أشرق الفرحُ على الوجوه، وانطلق الجميعً إلى المدرسة مسرورين، فقد أخذوا درساً قبل أنْ تفتح المدرسةُ أبوابها!



      ‚







      ســـــحابتان


      كان هناك سحابتانِ: سحابةُ مطرٍ، وسحابةُ دخان.. كانت سحابةُ المطر، تطوف في أرجاء السماء، فرحة مسرورة، فسمَعتْ نداءاتٍ حزينةً، تصعدُ من الأرض، تستغيث بها، وتطلبُ المطر.. سمعَتْ نداءَ الفلاحين البائسين، ونداءَ الحقول الظامئة.

      سمعَتْ نداءَ الأشجارِ الذابلة، ونداءَ الأنهار الناضبة.

      سمعَتْ نداءاتٍ كثيرةً وحزينة..

      حزنتِ السحابة الرحيمة، ونزلَتْ إلى الأرض، تحملُ الفرحَ والمطر.

      صادفَتْ في طريقها، سحابةَ الدخانِ، وهي تصعد إلى السماء، فسألتها قائلة:

      -إلى أين أنتِ ذاهبة؟

      -أنا ذاهبة إلى السماء .

      -مَنْ أرسلكِ إليها؟

      -الناسُ أرسلوني .

      -ألا تعرفينَ أنّ دخانَكِ يلوّثها؟

      -هذا أمرٌ لا يعنيكِ

      قالت سحابة المطر:

      -السماءُ وطني، ولن أدعكِ تلوّثينه .

      -أنا حرّةٌ، أفعلُ ما أشاء .

      -لستِ حرّةً، عندما تؤذين غيرك .

      وطال بينهما الجدال، وظلّتْ سحابةُ الدخان،

      متشبثةً بالعناد، فغضبَتْ سحابةُ المطر، وصبَّتْ ماءها الغزير، على سحابة الدخان..

      وتعارك المطرُ والدخان، فانتصرَ المطرُ، وتلاشى الدخان..

      ونزل المطرْ إلى الأرض، ولكنّه كان مطراً أسود!

      نظر الناسُ إليه، وقالوا مستنكرين:

      -مطر أسود!.. ما أبشعه!!

      قال المطر، وهو محزون:

      -لا تلوموني، ولوموا أنفسكم.







      الســــاعة الذهبيــــة


      انصرفَ التلاميذُ من المدرسة، وسار الصديقانِ، أحمدُ وغزوان، في طريق واحد..

      قال غزوان:

      -تعالَ إليَّ اليومَ، لندرسَ معاً

      -متى أجيء؟

      في الساعة الرابعة .

      وافترق الصديقانِ، فذهب كلُّ واحدٍ إلى بيته..

      وفي الموعد المحدّدِ، استقبل غزوانُ، صديقة أحمد، وأخذ يحدّثهُ، عن زملاء المدرسة، فيغتاب هذا، ويعيبُ سلوكَ ذاك..

      قال أحمد، محاولاً إنهاءَ الحديث:

      -ألا نبدأُ بالدراسة؟

      -الوقتُ أمامنا طويل.

      -الوقتُ من ذهب، وعلينا أن ننفقه فيما يفيد.

      -ألم يعجبْكَ حديثي؟!

      سكتَ أحمدُ خجلاً..

      وتابع غزوانُ الكلام، فتحدّثَ عن إخوته، وألعابهم، وخلافاتهم، و..

      شعر أحمد بالصداع، وألقى نظرة على ساعته، فوجدها تشير إلى الخامسة، فرفع رأسه، وقال غاضباً:

      -أتدري ماذا أضعْتُ عندك؟

      -ماذا أضعْتَ؟

      -أضعْتُ ساعةً ذهبيّة!

      فوجئَ غزوانُ، ونهض مسرعاً، يبحثُ عنِ الساعة، فوق المكتب، وبين الدفاتر، و..

      أحمدُ يراقبه صامتاً..

      لم يعثرْ غزوانُ على شيء، فقال يائساً:

      -لم أجدِ الساعة

      -لن تجدها، مهما بحثت

      ونظر غزوانُ إلى صديقه، فرأى ساعته في معصمه!

      قال ساخراً:

      -أهذه ساعتك الضائعة!؟

      الساعة الضائعة غير هذه .

      -وهل هي من ذهب؟

      -نعم، إنها من ذهب .

      وانقطع الكلام، وساد الصمت، وظلّ اللغزُ غامضاً.. أحمد لم يكذبْ، فقد أضاعَ ساعةً ذهبية.

      وغزوان لن يجدَها، مهما بحث عنها!

      -ما الساعة الذهبية التي أضاعها أحمد؟!

      أطرق غزوان، يفكّرُ حائراً..

      فكّروا معه قليلاً، فقد تصلون قبله إلى الجواب.



      666







      المعلمـــة الصغــــيرة


      رنّ جرسُ الدرس..

      أسرعَتِ التلميذاتُ إلى الصفّ، وجلسْنَ في المقاعد هادئاتٍ، ينتظرْنَ قدومَ المعلِّمَة..

      كانت معلِّمةُ الصف، تناهزُ الخمسين من عمرها، ولكنها لا تزال حازمة، لا تتغاضى عن الشغب، ولا تسامحُ في التقصير، شعارها الجدُّ والنظام، في الدراسة، وفي الدوام، كأنها ساعة عاقلة.

      -لماذا تأخّرَتِ اليوم؟!

      قالت تلميذة:

      -المعلّماتُ مجتمعاتٌ في الإدارة

      -متى ينتهي الاجتماع؟

      -لا ندري!

      فرحَتْ ليلى الصغيرة، وبدأَتْ تتململُ في مقعدها، تميلُ ذاتَ اليمين وذات الشمال، ولا تستقرُّ على حال.. إنها طفلة شقراء مرحة، ماهرة في التمثيل، وتقليد الآخرين، فنالت محبّةَ زميلاتها، بما لديها من دعابة ومزاح.

      انتهزَتْ ليلى الفرصة، وغادرت مقعدها..

      وقفَتْ في مكان المعلِّمة، على المنصّة القريبة من السبّورة.. وضعَتْ على عينيها نظّارة، مثل نظارة معلمتها، وحنَتْ ظهرها قليلاً، ثم تنحنحتْ، وقالت تقلِّد المعلِّمة:



      -بناتي الطالبات!.. مَنْ تذكِّرني بدرسنا السابق؟

      انجذبَتْ إليها العيونُ والقلوب، وارتفعَتْ عدّةُ أصابع.. قلبَتِ المعلّمة الصغيرة، شفتها السفلى، ثم هزّتْ رأسها وقالت بصوت راعش:

      -أريدُ أصابعَ أكثر.. كيف نأخذ درساً جديداً، وقد نسينا درسنا القديم؟!

      كانت التلميذات ينصتْنَ لها مسرورات، والإعجاب ظاهر على الوجوه والعيون.

      وفجأة..

      تحوّلَتْ عنها العيون، وكسا الذعرُ الوجوه، وغطّتِ الكفوفُ الأفواه..

      التفتَتْ ليلى، لتكشف الأمر، فأبصرتْ معلِّمتها، ذاتَ النظارة، واقفة في الباب!

      انعقد لسانها حيرة، واحمرَّ وجهها خجلاً، فأطرقَتْ رأسها، لا تدري ماذا تفعل..

      مرّتْ لحظاتُ صمتٍ ثقيل، ثم أفلتَتْ ضحكاتٌ محبوسة، من هنا وهناك..

      رفعَتْ ليلى رأسها، ونظرَتْ إلى معلِّمتها خلسة، فرأتها تبتسم!

      كانت ابتسامتها شمساً مشرقة، أضاءت نفسها المظلمة، وقشعَتْ عنها غيومَ الخوف والحزن..

      عادت إليها شجاعتها، وقالت معتذرة:

      -أنا آسفة!

      -لا داعي إلى الأسف يا بنتي!

      -سامحيني على مافعلت.

      -لستُ عاتبةً عليكِ

      -هل أذهب إلى مقعدي؟

      قالتِ المعلِّمة:

      -لن تذهبي إلا بشرط.

      -ما هو؟

      -أن تنضمّي إلى فرقة التمثيل في المدرسة

      قالت ليلى فرحة:

      -موافقة!

      ضحكَتِ المعلِّمة، وقالت:

      -اذهبي الآن إلى مقعدك، أيتها المعلِّمة الصغيرة! أسرعَتْ ليلى إلى مقعدها، وهي تكاد لا تصدّق، غير أنها أصبحَتْ على ثقة تامة، أنّ المعلِّمة هي أُمّها الثانية!



      $ $







      الــــورد والعوســــج


      عاشت شجيراتُ الورد، أمام بيتٍ صغير، على طرف القرية، وكانت صاحبة البيت العجوز، تحبّ وردَها كثيراً، وتوليه كلّ عناية، وتسقيه كلّ يوم، وعلى الرغم من ذلك، لم يكن الورد سعيداً..

      -لماذا؟

      -لأنّ الأولادَ يقطفون منه خلسة، والحيوانات تدوس فوقه، وتتلف بعضه.

      عاش الورد في حزن وخوف

      فكّرتِ العجوزُ في أمره، فاهتدَتْ إلى الحل، وغرسَتْ أشجار العَوْسَج حول الورد..

      وعندما كبر العوسج، أحاط بالورد الجميل، شاهراً أشواكه الحادة، كأنه صفّ من الجنود المسلّحين..

      حاول الأولادُ اختراقه، فأدمى أناملهم، وانصرفوا يائسين..

      ومدّتِ الحيواناتُ أفواهها، فوخزها شوكه، وارتدّتْ غاضبة.

      فرح الوردُ بحياته الآمنة، فملأ المكانَ عطراً وسحراً..

      وذات صباح مشرق، تفتّحَتْ وردةٌ صغيرة، فرأتْ دنيا جميلة..

      غسلَتْ وجهها الأحمر بقطرات الندى، وشرعَتْ تميل مختالة، وترنو حولها، فرأت قربها، شجرة عوسج..

      نفرَتْ من شكلها، وخاطبَتْها ساخرة:

      -ما اسمك أيتها الشجرة الغريبة؟

      -أنا شجرة العوسج.

      -ما هذه الحِرابُ التي تحملينها؟!

      -هذه أشواكي .

      -ما أقبح شكلكِ بهذه الأشواكّ!

      -لا أستطيع تغيير شكلي، يا صغيرتي الجميلة!

      -إذا كان شكلك قبيحاً، فلمَ تعيشينَ قرب الورد الجميل!؟

      قالت شجيرة الورد، وقد نفذ صبرها:

      -تعيش قرب الورد الجميل، لتحمي جماله من الأذى .

      -بأيّ شيءٍ تحميه؟!

      -تحميه بهذه الأشواك، التي تسخرين منها .

      -الورد لا يعتدي عليه أحد .

      وانقطع الحوار فجأة، حينما مدّ ولدٌ يده، ولوى عنق الوردة ليقطفها، فبدأت ترتجف مذعورة.. هاجمَتِ العوسجةُ الولدَ، وطعنته بأشواكها الحادّةِ، فأبعدَ يدَهُ مسرعاً، وانصرف متألّماً، يفرك ساعده، وينفخ عليه..

      قالت شجيرة الورد:

      -شكراً لكِ أيتها العوسجةُ الطيّبة!

      خجلَتِ الوردةُ الصغيرة، واعتذرَتْ إلى شجرة العوسج، فسامحتها العوسجة، وقالت لها:

      -لن أدعَ أحداً يعتدي على شكلكِ الجميل.

      قالت الوردة الصغيرة:

      -وأنا لن أنكر -بعد اليوم- فعلَكِ الجميل.

      !"







      النقطـــتان


      التقَتْ نقطتانِ، فوق صفحةٍ بيضاء..

      وبعد أن تبادلتا التحية، قالت إحداهما للأخرى:

      -ما أجملَ هذه الصفحة!

      -تعالي، لنسير عليها .

      -إذا سرنا عليها، ستمتلئُ خطوطاً .

      -وما الضرر في ذلك؟

      -نفسدُ الصفحةَ، فلا تصلحُ لشيء .

      -اطمئنّي يا صديقتي.. سنرسم خطوطاً لها معنى.

      -ماذا تقصدين؟

      -اتبعيني، وسترين .

      -أنا متعبة الآن .

      -انتظريني إذاً، حتى أعود .

      -سأنتظركِ.

      سارتِ النقطةُ الصغيرة، فوق الورقة البيضاء، راسمة وراءها، خطاً أزرق، ينحني تارة، ويستقيم أخرى..

      كانت خطواتها قصيرة، وطريقها طويلة، فأعياها المسير، ولكنها لم ترجع يائسة، بل ظلّتْ ماضية فيما عزمَتْ عليه، حتى بلَغتْ طرف الورقة، فاتجهَتْ نحو الأسفل، ثم انعطفَتْ راجعة، ترسم خطاً جديداً، يبعد عن الخط السابق، وظلَّتْ تحثُّ الخطا، حتى وصلَتْ إلى المكان الأوّلِ، الذي انطلقَتْ منه، فوجدَتْ صديقتها في انتظارها..

      قالت لها، وهي تلهث:

      -انظري ما صنعْتُ على الورقة!

      تأمّلَتْ صديقتها، الشكل المرسوم، وما لبثت أنْ قالت:

      -هذه خارطةُ الوطن العربي!

      -هل أفسدْتُ بها الصفحة؟

      -لقد أحسنْتِ يا صديقتي، فاستريحي حتى أكملَ العمل.

      -ماذا ستفعلين؟

      -سأرسمُ الحدودَ، بين الدول العربية

      -إيّاكِ أنْ تفعلي!

      -لماذا؟

      -لن نضعَ حدوداً بين الأشقّاء .

      فكّرتِ النقطةُ فيما سمعَتْ، ثم قالت مسرورة:

      -ما أعظمك يا صديقي!

      تبادلَتِ النقطتانِ النظرات، وارتفع منهما هتافٌ واحد!

      -لن نرسم الحدود.

      -لن نرسم الحدود .

      فرحَتِ النقطتانِ، وتعانقتا طويلاً..

      شعرتا بسعادة كبيرة، وكرهتا العودة إلى الانفصال لقد صارت النقطتانِ الصغيرتان، نقطةً واحدةً كبيرة:



      . .







      خَــوْخَــــة


      غزوان طفلٌ صغير، في الرابعة من عمره، فيه صفة ذميمة، كثيراً ما أغضبَتْ أمّه..

      -أتريدونَ معرفةَ هذهِ الصّفة؟

      لن أبوحَ لكم بها، بعد قليل تكشفونها، عندما تعرفون، ما فعل غزوان اليوم، فقد كان جالساً، بجانب المدفأة، وبين يديه كتابٌ، يقلبُ صفحاته، ويتفرّجُ على صوره الملوّنة..

      شاهدَ صورةَ خوخةٍ، نظر إليها طويلاً، ثم حمل كتابه، وذهب إلى أُمّهِ، وقال:



      -ما هذه؟

      -خوخة.

      -كيف طعمها؟

      -طيّبٌ لذيذ.

      قال غزوان:

      -أريدُ خوخة

      -في الشتاء، لا يوجد خوخٌ يا حبيبيّ

      -أريد خوخة.

      عندما يأتي الصيف، سأشتري لكَ خوخاً كثيراً.

      -أريد خوخة

      جلبَتِ الأُمُّ برتقالةً، أعطَتْها ابنها، وقالت:

      -هذه البرتقالة، أطيبُ من الخوخة.

      أكلَ غزوان البرتقالة، ثم ركض إلى أُمِّهِ، وقال لها:

      -أريد خوخة

      جلبَتْ له أُمّهُ، تفاحة حمراء، أعطتْه إياها، وقالت:

      -هذه التفاحة، أطيبُ من الخوخة.

      أكل غزوان التفاحة، ثم ركض إلى أُمِّهِ، وقال لها:

      -أريد خوخة.

      جلبَتْ له أُمّهُ، موزةً صفراء، أعطتْهُ إياها، وقالت:

      -هذه الموزة، أطيبُ من الخوخة.

      أكل غزوان الموزة، ولحس فمه بلسانه، ثم ركض إلى أمه، وقال لها:

      -أريد خوخة.

      ضاقَتِ الأُمّ به ذَرْعاً، وقالت غاضبة:

      -لا يوجد خوخ.. لا يوجد خوخ!

      -أريد خوخة.

      حارتِ الأُمُّ في أمرها، وعجزَتْ عن إرضاء ابنها، فتركته يبكي، وذهبت إلى عملها.. بعد وقت يسير.. انقطع البكاء!

      هرعتِ الأمُّ، لتعرف الأمر، فوجدَتْ غزوان، يغطُّ في النوم..

      تنفّسَتِ الأُمُّ الصعداء، وجاءت بغطاء، فغطَّتْ به ابنها، ثم وقفَتْ على رأسه، ترنو إليه بحنان، فسمَعْتهُ يقول، وهو نائم:

      -أريد خوخة.. خوخة!



      RR







      إبــرة الطــبيب


      رنّ جرسُ المدرسة، وانطلقَ التلاميذُ إلى الباحة، يركضون ويلعبون، يضحكون ويصرخون.. وظلّ أحمدُ في الصفِّ، يرتِّبُ كتبَهُ، وأصواتُ زملائه، تملأُ أذنيه..

      وفجأة.

      انقطعَتِ الحركةُ والأصوات!

      قال أحمد مدهوشاً:

      -أمرٌ عجيب.. ماذا حدث؟!

      خرج مسرعاً، ليعرفَ السبب..

      شاهد التلاميذَ مجتمعين، يمدُّون عيونهم إلى باب الإدارة..

      انضمّ أحمدُ إليهم، ينظر حيثما ينظرون.

      رأى رجلاً غريباً، يلبس رداءً أبيض .

      -مَنْ هذا؟

      -طبيبٌ من المدينة .

      -ولمَ جاء إلى مدرستنا؟!

      -ليضربَ التلاميذَ بالإبر

      -لماذا؟

      -يقولون إنها لقاح ضدّ المرض .

      -أيّ مرض؟

      -لا نعرف اسمه.

      صمَتَ أحمدُ، وأخذ يراقبُ الطبيبَ، فرآه يجهِّزُ الإبرة .

      خاف أحمد من وخزها، وأضمر في نفسه أمراً.

      صفّ المعلّمُ التلاميذَ. وجعلوا يتقدّمون إلى الطبيب، واحداً إثر آخر..

      كان أحمد مختبئاً، يحبس أنفاسه، ويسترق السمعَ، فلا يصلُهُ إلا أصواتٌ خافتة، وكلماتٌ غامضة.

      مكث صامتاً يترقّب..

      وأفلتَ التلاميذُ، وتعالتِ الأصوات، و.. أخرجَ أحمدُ رأسَهُ، ونظر مستطلعاً.. لقد انصرف الطبيب، وانتهى كلُّ شيء.

      نهض أحمد فرحاً، يقول في نفسه:

      -لم يدرِ بي أحد!

      واختلط برفاقه، يستمع إلى حوارهم..

      -كنتُ خائفاً من الإبرة

      -ولمَ الخوف؟!.. إنها مثلُ وخزةِ الشوكة

      -هل تؤلمك الآن؟

      -لم أتألّمْ غيرَ دقيقة .

      -ظننْتُ أنه سيأخذ ثمن الإبرة .

      -ليس معنا قرش واحد!

      -أخذناها مجاناً وانتهينا .

      -وماذا ستفيدنا؟

      -إنها تقي أجسامنا من المرض .

      سمع أحمد هذا الكلام، فخجل من جبنه، وندم على هروبه، ولكنّ الندمَ لا يفيد، فبعد أيام، أصابه المرض، فانقطع عن المدرسة، ولبث في البيت..

      قال والده، وهو يلمس جبينه:

      -لم ينتفعْ باللقاح اللعين!

      وقالت والدته، وهي محزونة:

      -يجب أنْ نأخذَهُ إلى الطبيب.

      -لا أملكُ إلا عشرين ليرة .

      -وأنا معي ثلاث عشرة ليرة .

      وقالت أخته الصغيرة:

      -وأنا معي خمس ليرات .

      قال الأب:

      -لا حولَ ولا قوّة إلا بالله.

      وقال أحمد في سرّه:

      -لقد تعلّمْتُ درساً لن أنساه..

      الألم القليل قد يُنتجُ راحةً كبيرة .

      والمعلِّمُ هذه المرّة هو: إبرة الطبيب!



      !!







      شــــجرة اللـــوز


      أمامَ بيتنا الجميل، حفرَ والدي حفرةً صغيرة.. أخرجَ لوزةً يابسة، رفعها بإصبعيه، وقال:

      -ما هذه يا أحمد؟

      -لوزة صغيرة .

      -لا تنسَ ذلك .

      -لن أنسى أبداً.

      وضع والدي اللوزة، في قَعْر الحفرة، وردمَ فوقها التراب..

      -لمَ وضعْتَ اللوزة في التراب؟!

      -لنحصلَ على لوز كثير.

      -مِنْ أين؟

      -مِنْ هذهِ اللوزة.

      -كيف؟!

      -اسألِ الأرض .

      -لم أفهم!

      -ستفهم فيما بعد.

      ***

      مضَتْ شهور..

      انشقّ الترابُ، وظهر رأس أخضر، أخذَ يكبر ويكبر، حتى صار شجيرةً صغيرة، طريّةَ الأغصان، ناعمةَ الأوراق.

      ودارَ الزمان..

      وأصبحتِ الشجيرةُ الصغيرة، شجرةَ لوزٍ كبيرة.

      زارها الربيعُ، و

        مواضيع مماثلة

        -

        الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 10:43 am